من البلاد، تلك التعهدات الخطية التي اشترطت عدم تدخلهم في الشؤون السياسية
في العراق بعد عودتهم إليه، وقد تحدثنا عن المسوّغات التي دفعت العلماء إلى تلك
الموافقة وكانت تتمحور حول تقديم الأهم على المهم، فالأهم عندهم هو مسك الأمة
روحياً ودينياً وأخلاقياً وقد فصّلنا هذه المسألة في حينها، والذي توصّلنا إليه
بالرغم من الملاحظات والمؤاخذات عليها، إنها - بحقٍّ - فوّتت الفرصة على
المستعمرين في محاولتهم لتجفيف منابع الوعي الإسلامي والوطني في الأمة، وقد بلغ هاجس
الخوف قمتّه لدى المستعمرين والحكومات التابعة لهم من اسم الإسلام، ومن العلماء
الواعين، والحركيين الوطنيين فعمدوا على مواصلة أسلوبهم العدائي ضد العلماء، لغرض
إسقاط هيبتهم، وتشويه حركتهم، ومطاردة الناشطين منهم.
وضمن هذا
السياق جرت كتابة تاريخ تلك الحقبة الزمنية، مبنيّةً على طمس حقائق الأحداث
إرضاءاً لغرائز بعض الباحثين الخاصة في رسم أحداث التاريخ على ذوقهم بما يخدم
توجّهاتهم الفكرية، في محاولة واضحة لمصادرةٍ قسريةٍ ومكشوفةٍ لدور الإسلاميين
الريادي للساحة في تاريخنا الحديث، وكأن الإسلام يشكّل أمامهم البعبع المخيف،
وأخذوا ينظرون إلى الإسلاميين من منظار الفزع الأكبر، فصبّوا جام غضبهم على
الإسلاميين، بل جيّروا جهادهم وتضحياتهم في الأطر التي ترضي غرورهم برعاية السلطة
السياسية التي فرضت كتابة التاريخ بهذه الطريقة، ولقد باءت وتبوء حالياً أيضاً هذه
المحاولات بالفشل الذريع إن شاء الله، يقول تعالى:
ومن أمثلة تلك المحاولات التي سعت
لتشويه حقائق التاريخ بالاعتماد على تصورات وتقريرات المحتلين الأجانب الذين ثبت
عداءهم للشعب، ولعبوا على عدة أوتار لإثارة الفتنة بين الناس، وتفريق كلمتهم، ما
قرره الدكتور وميض جمال عمر نظمي في أطروحته المطبوعة بعنوان: «الجذور السياسية
والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية) في العراق»، معتمداً
على تقريرات المحتلين، رافضاً كتابات المؤرخين والأكاديميين الموثّقة من مصادرها،
وذلك ليستمر في طريق تشويه جهاد