العثماني وفي عهد الاحتلال كذلك، وكأنما كتب عليهم وعلى
امتدادهم الشعبي أن يضحوا من أجل الإسلام والقيم الوطنية، بينما على الآخرين أن
يحكموا وينعموا في دنيا العهديْنمعاً!!
وقد عشنا
مع بعض تلك التضحيات الجسيمة التي قدمّها العلماء الإسلاميون، بدمائهم وأموالهم
إلى جانب الجيش العثماني المسلم ضد المحتلين الكفّار، وقد نقلنا بعض مواقف الإعجاب
والإكبار من القادة العثمانيين اتجاه جهاد علماء الشيعة في مقاومة المحتلين في
حركة الجهاد الإسلامي وما جرى على العلماء في جبهات القتال وعلى رأسهم السيد
الحيدري. حيث وقف علماء الشيعة مع الدولة العثمانية المضطهدة للشيعة في العراق
وذلك ضد المحتلين البريطانيين الذين حاولوا أن يتفقوا مع الشيعة المضطهدين ضد
الأتراك. لكنهم رفضوا بدوافع شرعية ووطنية. بينما نلاحظ على الطرف الآخر من
المفتين الرسميين الذين أغدقت عليهم الدولة العثمانية أسباب الراحة والنعم
بالأموال والمواقع الإدارية لم يقفوا إلى جانبها في حربها ضد الإنكليز بل اتفقوا
مع الإنكليز لينعموا بالمناصب والأموال في ظل الاحتلال أيضاً. وخير مثال هو عبد
الرحمن النقيب الذي رضي أن يحرق تاريخه الديني وهو الرجل المسنّ ليكون مطية
المحتلين، فعاش منعّماً بدنيا العثمانيين والمحتلين البريطانيين معاً على حساب
المبادئ الإسلامية والقيم الوطنية وحقوقالشعب.
ويذكر لنا
التاريخ كلمة القائد التركي سليمان عسكري بيك الذي كان يرقد في المشفى ببغداد إثر
جرحه في المعركة ضد المحتلين الإنجليز، وقد قالها مخاطباً أحد رجال الدين
الحكوميين حينما زاره في المشفى: «أنت ها هنا ترفل بالراحة والطمأنينة والنعيم مع
أنك تتقاضى راتباً ضخماً من الدولة طيلة عمرك، وإن الإمام السيد مهدي السيد حيدر
يحارب الإنجليز بنفسه - على شيخوخته وعظمته - وهو الآن في الصفوف الأولى، مع أنه
لم يقبل من أموال الدولة قليلاً ولا كثيراً طيلة عمره»([1571]).
12- للأسف إن النموذج المكرّر عادةً في أوساط السياسيين
هو أنه حينما يستلم أحدهم موقعاً إدارياً متقدماً في الحكومة، يصاب بمرض انقلاب
الموازين، بين مناداته بمطالب الأمة قبل استلام السلطة وما بين الواقع