ظروف
الأمة والمصلحة العامة لإعلان المقاومة والجهاد ضد العدو، كما تتعين المرحلة
الثقافية والتربوية بما يتناسب مع مصلحة المسلمين، ومع ذلك لا يعني هذا التصنيف
المرحلي للعمل الميداني تجزأة الإلتزام بالإسلام إطلاقاً، وإنما تتحدد الاستجابة
للظروف بحدود دفع الضرر عن الأمة، وتفعيل الأساليب الممكنة لنشر الوعي الحركي
والثقافة السياسية لتمكين الأمة من الوقوف والتصدي بجدارة في ساحات المقاومة
والجهاد سياسياً وعسكرياً، ومعنى ذلك حينما تُشخّص المرحلة الثقافية، تتوجه
الطاقات والاهتمامات في هذا الاتجاه، على سبيل الإعداد للمراحل المقبلة، لا
لإلغائها من الحسبان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من مات ولم
يغزُ، ولم يحّدِث به نفسه، مات على شعبة من نفاق»([1570]).
10- إن المستعمرين يخططون ويراوغون باستمرار في سبيل
تحقيق مصالحهم وأطماعهم، فيوظفون المال والإعلام والقوة والدعم السياسي لإنجاح
مشروعهم، حتى لو جوبهوا بثورة شعبية عارمة كثورة العشرين، وإنما يبذلون قصارى
جهدهم لاستيعاب الصدمة التي تكلّفهم تضحيات مادية ومعنوية، فينحنون أمام عواصف غضب
الأمة في مراوغة محدودة، وبالفعل يخرجون من الباب ويدخلون من الشباك - كما يقال -
وهذا هو الذي حدث في العراق. فجاء ترشيح فيصل ملكاً على العراق، وتشكيل الحكومة
والمؤسسات الإدارية، وتمّ توزيع الأدوار بين المسؤولين البريطانيين ضمن هذا
السياق، فنجحت بنسبة مهمة سياسية القفز على أكتاف الثائرين وهم في طريق الانتصار،
وتـمّت سرقة أهداف الثورة في الاستقلال والحرية والسيادة وإقامة الحكومة
الإسلامية. وقد أفرزت تلك التطورات طبقة من السياسيّين المصلحيّين اللاهثين وراء
قطف الثمار عبر التصدي لإدارة البلاد بالطريقة المرسومة في لندن، بل دخلوا في حلبة
المنافسة الوضيعة فيما بينهم لنيل الحظوة لدى المحتلين وتقديم المزيد من التنازلات
على حساب حقوق الشعب، فاصبحوا الواجهة المحلية لتمرير السياسة الاستعمارية. بينما
بقيت الساحة الوطنية الإسلامية عاجزة عن صنع الواقع السياسي، فظلت تراوح محلها،
ولعلّ هذه المراوحة هي بحد ذاتها تعدّ تراجعاً أمام الخطة الاستعمارية، وأكثر من
ذلك حينما تصدّع الموقف العلمائي القيادي أمام ترشيح فيصل، وبان ضعفه برز الملك
وجهاً