والأعجب من ذلك تتعرض اليوم تلك المرحلة
التأسيسية إلى محاولة احتواء من قبل بعض الباحثين غير الإسلاميين، من ذوي التوجهات
العلمانية (القومية والقطرية) لغرض جعل تلك المرحلة خلفيّتهم النضالية التي يبنون
عليها أسس تطلعاتهم الحاليّة والمستقبلية، وسنشير إلى هذه المسألة بالتفصيل
لأهميتها في فقرةخاصة.
إن الدراسة
التاريخية التي بين أيديكم - اخوتي وأعزائي - هي محاولة جادّة هدفها تخليص تاريخ
العراق الحديث من محاولات الطمس والتهميش للوعي الإسلامي وجهاد الإسلاميين
الوطنيين، فمن أهم الأهداف لهذه الدراسة إعادة الحق إلى نصابه عبر تحرير الوقائع
التاريخية من قيود العصبية وأغلال المصادرة المفضوحة للجهود الخيّرة التي أرست
دعائم الاستقلال والسيادة والكّرامة فيالعراق.
7- العلماء
- مراجع الدين - الذين تصدوا للعمل السياسي والجهادي في المرحلة التأسيسية،
انطلقوا من مبدأ الوحدة الإسلامية واعتبروها من المسائل الجوهرية في حركتهم
السياسية بالتحديد، بغية توحيد الصف الوطني في مقاومة المحتلين. ووأد الفتنة
الطائفية التي تسعى لإشعالها دوائر المستعمرين، وقد تجسّد هذا المبدأ في تلك
المرحلة قبل ثورة العشرين وأثناء اندلاعها وما بعدها أيضاً. فقدموا صوراً ناصعة
لهذا الطرح الوحدوي الجامع في مواجهة مشاريع السيطرة الأجنبية، وقد أفشلوا عدة
محاولات استعمارية استهدفت الوحدة الوطنية ما بين المسلمين([1567]).
لاعتقادهم بأن الوقوف في وجه الأعداء بشكلٍ موحّد يحقق أهداف الأمة، ويغلق الثغرات
في الجدار الوطني، حيث من الممكن أن ينفذ العدو من تلك الثغرات لتفريق الكلمة. ومن
خلال التجربة التاريخية نقول: إن الأمة التي تمتلك استعدادات الفرقة في كلمتها
والتمزّق في مواقفها تحت ذرائع المصلحة الذاتية أو المحلية أو الطائفية، إنها أمة
تمنح المفترِس - المتربّص بها - فرصة الانقضاض عليها، لسلب خيراتها والتحكم
بمصيرها. وبالتالي