الاشتر: «ولا تدخلنّ في
مشورتك بخيلاً يَعْدل بك عن الفضل ويعدُك الفقر، ولا جباناً يضعفُك عن الأمور، ولا
حريصاً يزيّن لك الشرَّه بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء
الظن بالله»([1564]).
إن هذه المسألة لا تتوقف عند حدودها فكما أنها حسّاسة من الناحية النفسية، فهي
بالغة الخطورة من الناحية العملية، وذلك لأن المستعمرين والمحتلين بالذات سيلعبون
بورقة الكرم والعطاء على حساب المبادئ فيجنّدون ما يحلو لهم من عناصر وحركات بهدف
عرقلة المسيرة السياسية، وذلك عن طريق الإرهاب وإثارة الفتن، للضغوط على المتصدين
لقبول شروطهم. بينما ينجلي العلاج من خلال التجارب التاريخية في إتباع الكرم
المدروس من قبل المتصدين لقيادة الأمة من مراجع الدين أو القادة السياسيين، ليتم
قطع الطريق أمام العدو المتربص بالساحة والجاثم على صدر الأمة، الذي يسعى بشتى
الأساليب والطرق ليخلق أجنحة داخلية تخدم مصالحه ولو بعدحين.
وهكذا
يزوّدنا التاريخ دروساً مجرّبة باتباع الأسلوب الأمثل في طريقة التعامل مع الجمهور
على مستوى القيادة والإدارة أو المداراة المطلوبة للوصول إلى هدف الإصلاح والنهضة.
فالقائد المتصدي لقيادة الساحة، هو الذي يسلك سبيل الاندماج الميداني بآلام وآمال
الشعب، يتحسس معاناتهم وينطلق بجدية التضحية نحو تحقيق طموحاتهم في الحياة. أما
الذي يتصور بأن الناس يفكرون بعيونهم لا بعقولهم، إنما يستخفّ بقدرات الأمة، ويسخر
من عقول الناس، فإذا كان يظن بأنّ ظهوره الإعلامي في المقابلات والمحاضرات،
والتعامل مع الأحداث عبر البيانات والتصريحات، هذه الطريقة تكفيه لقيادة الناس،
فإنه واهم، وذلك لأنه سوف لا يجد أحداً في الميدان الفعلي من الواعين يوافقه على
طرحه. لأنه في الحقيقة يستبدل الأداء القيادي الفعلي بالخطابة
والمنشوراتالعامة.
يقول
الإمام علي عليه السلام في عهده للاشتر: «..وأكِثر مدارسةَ العلماء، ومناقشة
الحكماء، في تثبيت ما صَلَحَ عليه أمر بلادك، وإقامة ما آستقام به
الناسقبلك...وليكن آثرُ رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته، وأفضَلَ عليهم
من جِدَتِهِ، بما يسعُهم ويسعُ مَن وراءَهم. من خلوفِ أهليهم، حتى يكون همّهم
همّاً واحداً في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطفُ قلوبهم عليك، وإنّ أفضل قُرّةِ عينِ
الولاةِ آستقامةُ العدل في البلاد،