الخاصة بالتبشير المسيحي، والتشكيك بالإسلام، لذلك تصدى
الإسلاميون خصوصاً العلماء للوقوف أمامها. ففي مدينة العمارة في جنوب العراق -
مثلاً - نشطت الإرساليات التبشيرية، لذلك ذهب إليها الشيخ حبيب الله العاملي في
1928، لمواجهة التحرك الصليبي، المتميز بالإمكانيات المالية الكبيرة للحملات
التبشيرية إلى جانب السلطة والقوة العسكرية البريطانية التي تضفي هالة معينة
لتحركهم، إلا أن الشيخ العاملي استطاع أن يؤسس فيها مكتبة إسلامية هادفة، جذبت
الشباب إليها بدلاً من المكتبة البريطانية، وأصدر مجلة الهدى سنة 1929، وهي مجلة
إسلامية ثقافية تربوية، آعتنت بتسليح الجيل الصاعد بالثقافة الواعية أمام الهجوم
الثقافي لأدوات المحتل الغادر. ومن ثم استطاع أن يعرقل نجاح المشفى البريطاني
التابع للحملة التبشيرية، وذلك بإصداره فتوى تحرم مراجعة المشفى المذكور، لأن رجال
التبشير كانوا يستغلون المرضى في حالة ضعفهم، لإملاء الأفكار الصليبية عليهم، وقد
نجح الشيخ في مهمته بعد أن رتّب البديل على نفقته الخاصة بالإتفاق مع طبيب لبناني.
ومـمّا يذكر حول هذه النشاطات الإصلاحية والثقافية إنها كانت تعتبر ضمن نشاط
التحرك الإسلامي في منظور أجهزة السلطة، لذلك كانت لهؤلاء المصلحين معاناة خاصة مع
الإداريين والشرطة المحليين، لأنهم كانوا إلى جانب الحملات التبشيرية والمشاريع
الحكومية، وبالمقابل كانوا يعرقلون مشاريع التيار الإسلامي حتى في المجال التربوي
العام، خوفاً من تطوره وانتقاله إلى المجال السياسيوالجهادي.
وقد كانت
القيادات الدينية بما فيها المرجع الأعلى في سعي حثيث وعمل متواصل لدعم هذه
المحاولات التربوية. ومن المفيد أن نذكر أن العمل الثقافي في تلك المرحلة كان يلقى
استجابة - أحياناً - من رجال السلطة أيضاً، إما لتوازنات خاصة بين أجنحة النظام،
أو لهدف معين يقصدونه ضمن الخطة، ولكن المهم أن الحصيلة النهائية تصب إلى جانب
الإسلاميين المصلحين. كما حدث مع الرجل المصلح الشيخ العاملي، حيث التقى الملك
فيصل، فطلب منه تغيير رئيس الأطباء ومدير الشرطة والمحافظ لمدينة العمارة الذين
كانوا يعتبرون بمثابة العقبة الكبيرة أمام توجهاته الثقافية والتربوية هناك.
واستجاب الملك لمطاليبه. فأُعيد نشاط المشفى الملكي الحكومي وأغلق مشفى الحملة
التبشيرية، ومن نشاطاته الثقافية أيضاً، أصدر قصة ممتعة بعنوان (محمد الشفيع) رداً
على كتاب