المشتركة والاستعاضة عنها بالملكية الفردية الخاصة، التي
كان يعتقد أنها ستحطم النظام العشائري.. إلا أن الهدف الرئيس لسياسة مدحت باشا وهو
تفويض الأراضي لصغار المزارعين، وتحويل أفراد العشائر إلى ملاّك أرض، لم يتحقق أبداً،
فلم يكن بوسع أفراد العشائر أن يهيئوا ما يكفي من المال لدفع (المعجّل) للحصول على
سندات الطابو، ومن جهة أخرى كان القانون يمنع الملكية المشاعة. وبذلك حَرَم
العشيرة كهيئة جماعية من إمكانية شراء الأرض.. وفوق كل هذا لم يكن أفراد العشائر
يجدون أي سبب لشراء أراض كانوا قد حققوا الحيازة الكاملة والفعلية عليها بالقوة.
إنّ تردّد، أو عزوف أفراد العشائر في شراء سندات الطابو، أفسح المجال أمام
الموظفين الكبار وتجار المدن وبعض الشيوخ الأذكياء لشراء الأراضي والحصول على
السندات»([84]). هذا وقد «أصبحت تلك القوانين والتشريعات تشكل الأسس العامة التي
تحدد أشكال حيازة الأرض وزراعتها طيلة الفترة الأخيرة من العهد العثماني»([85]). والجدير بالذكر أن
هذه السياسة خاصة للأراضي الأميرية أي التابعة للحكومة العثمانية والتي أصبحت معظم
أراضي العراق منها. «أما العقارات التي كان بوسع أصحابها إبراز حجج شرعية لإثبات كونها أراضي
(خراجية) أو (عشيرية)، فقد بقيت في أيدي أصحابها، باعتبارها (ملكاً). وعلى الشاكلة
نفسها، أُعترف بالهبات الدينية كـ(أوقاف)»([86]).
والتساؤل
المطروح - هنا - ما هي انعكاسات هذه السياسة على الوضع الاجتماعي في العراق؟
وللإجابة عليه نقول: إن هذه السياسة كانت ترمي إلى اهتزازات البنية الداخلية
للتماسك العشائري، وذلك لانحصار التفويض بعدد محدود من زعماء القبائل وتحوّل
الأفراد إلى فلاحين أُجراء لديهم، بعيدين عن الاهتمامات العامة. وبذلك يتحقق نوع
معين من السيطرة على القبائل بإضعاف الاتحادات القبلية، لا سيما المستقلة منها،
وبالفعل استطاعت السلطة تقويض بعض المشيخات بالقوة، كما حدث عام 1909م،1327هـ ضد
مشيخة بني لام، كما تمكنت من توطين بعض القبائل البدوية في أراضٍ
مفوضةلشيوخها.
وبالرغم من
ذلك فإن هذه السياسة أثارت عداءً داخلياً بين أفراد القبائل وشيوخها الملاّكين من
جهة، ومن جهة أخرى بين القبائل وأصحاب سندات الأراضي من أهل المدن وغيرهم. وقد
التهبت نيران الاضطرابات والفتن الداخلية -آنذاك-، كما حصل في مدينتي الديوانية
والحلة، حيث ظلّت حالة
[84] نظمي، وميض: الجذور السياسية والفكرية.. مرجع
سابق، ص51،53.