الاضطراب مستمرة، ولم يجرؤ الملاّكون من
الوصول إلى أراضيهم. وقد استمرت حالة التمرد والانتفاضة حتى نهاية العهد العثماني،
وقد كانت في قبائل الفرات الأوسط - بالذات - متوجهة ضد الملاّكين وضد الدولة
العثمانية في آن واحد، باعتبارها المقررة لسياسية تفويض الأراضي([87]).
«أما في المناطق التي رفض الشيوخ فيها التحول إلى ملاكين - لسبب أو لآخر - أو
تأخرت هذه العملية لغاية ما بعد 1930-1931م [1349-1350هـ] فإن النظام العشائري
ازداد تماسكاً، واصبح الشيوخ غير الملاكين فرسان عشائرهم في النضال، ضد الملاك
الغائبين والحكومة»([88]).
وهكذا استمرت الاضطرابات بالتصعيد رغم تعطيل نظام الطابو بمرسومين خلال عامي
1880-1882م،[1298-1300هـ].
وفي عام
1911م،1329هـ اضطرت الحكومة العثمانية إلى تأليف (لجنة تحقيق) للتحرّي عن أسباب
هذه الاضطرابات، وأشارت المعلومات فيما بعد إلى أن «الاضطرابات تعود إلى واقع، أن
الأراضي الزراعية للعشائر كانت محصورة في أيدي شيوخ أقوياء قلائل، يضطهدون أفراد
عشائرهم، ويثيرون المنازعات فيما بينهم، وإن العلاج الصحيح هو تقسيم الأراضي بشكل
دقيق»([89]).
ومن خلال
الأحداث، يمكننا أن نقول: إن هذه الإجراءات رغم تأثيرها المباشر على البنية
العشائرية، إلا أنها وفرت مناخاً خاصاً لتلاقي المصالح بين أفراد العشائر وصغار
مشايخها، لتتلاحم فيما بينها في ميدان التمرد والانتفاضة. وسنرى ذلك
بتطورالأحداث.
ومن المفيد
أن نذكر السبب في توضيح مسألة الأرض وحيازتها واثر ذلك على الوضع الاجتماعي
والحركي في العراق، هو أن هذه المعضلة من أضخم المشكلات التي واجهت السلطة العثمانية،
واستمرت تواجه إدارة الاحتلال البريطاني، لما تمتاز من تأثير على الساحة
الاجتماعية والسياسية. فقد أشار تقرير الحكومة البريطانية 1916م، 1334هـ، إلى
المنازعات الجديدة بين شيوخ المنتفك آل السعدون الذين تحولوا إلى ملاكين للأراضي،