وبالتالي تحقيق مصالحها. فحينما كان
يحكم أحدهم يتربّص الآخرون به الدوائر لغرض إبراز نقاط ضعفه، وبعبارة أخرى، تبدأ
عمليات الحفر الباطني لوضعه وسلوكه السياسي وإنجازاته، إلى أن تحصى سلبياته
فتتجاوز المقياس البريطاني، أي حتى ينتهي مفعوله، فتضعف ثقة السلطات البريطانية
بإمكانياته. فتطلب منه أن يستقيل ليفتح المجال لوريثه المتربص به، الذي تعتبره
الدوائر البريطانية - في تلك المرحلة - هو الرجل الأنسب، والأكثر كفاءة!. وفي
الأثناء تفتعل أحاديث وحكايات تسرّبها إلى الواقع الاجتماعي، وبذلك تتم عملية صقل
الشخصيات الواقفة في الظل، والمنتظرة لدورها القادم. فمثلاً نوري السعيد، يقال
إنه: «تصرف طيلة فترة وجوده في تركيا كممثل لدولة مستقلة فعلاً، وقد حاول إبراز
ذلك وتجسيده في كل مناسبة مواتية.. وبعد عودته إلى بغداد 12 حزيران 1926م [2 ذي
الحجة 1344هـ] اقترح نوري على الحكومة قبول قنصل تركي في بغداد، والسماح للصحف التركية
بالدخول إلى العراق»([1491]). مثل هذه الفعاليات كانت تؤهل
هؤلاء الساسة للدخول في لعبة المحاور وصراعاتهاالداخلية.
هكذا كانت السياسة البريطانية تدير الأمور، وتجني ثمار
دسائسها بعد ذر الرماد في عيون المعارضين، ولكن بالرغم من تلك الحالات استمرت
المعارضة الإسلامية في أعمالها ونشاطاتها - المحدودة - على المستوى الشعبي
والإعلامي إلا أنها كانت تسعى وراء الأحداث على الأغلب - كما قلنا-، فقد ضعفت
لديها المبادرات الحركية المضادة لتوجهات الحكومة. ففي ذلك الظرف استطاعت أجهزة
الحكومة أن تنتقي لعضوية المجلس النيابي الجديد، الرجال الموالين للمشاريع
البريطانية ليكونوا في طليعة المرشحين، مما استفزّ الرأي العام، فقدمت شكاوى بهذا
الخصوص إلى المحاكم من قبل الناس، والتي حولتها إلى مراكز الشرطة، وكانت تلتقي تلك
الدعاوى أُذناً صمّاء، فالشرطة تدّعي عدم اختصاصها وصلاحيتها بهذه الأمور،