ومما يذكر أن المندوب السامي قدم مسوّدة المعاهدة للملك
في 29 أيلول 1921م الموافق للرابع والعشرين من شهر محرم 1340هـ، أي بعد تتويجه بـ
36 يوماً، لغرض المناقشة، وكانت للملك محاولات في تعديل بعض بنودها([1218]).
ومن جانبها واصلت المعارضة الإسلامية في فترة الربيع والخريف لعام 1922م، بنشاط
دؤوب لإسقاط هذا المخطط فاجتهدت لتوصيل صوتها الرافض للانتداب، وكذلك للمعاهدة
التي تعتبر صورة مبطنة عنه. وذلك إلى المسؤولين المعنيين وإلى الأمة أيضاً لغرض
تنبيهها من مخاطر المعاهدة. وكانت المعارضة قد باشرت في حركتها السياسية بهذا
الاتجاه منذ بداية المفاوضات بين الوزارة النقيبة ودار الاعتماد البريطاني حول
المعاهدة الأولى، وحينما علمت أن حكومة النقيب موافقة على المعاهدة صعّدت المعارضة
من أعمالها ضد الحكومة «فقد اشتركت فئات شعبية في التنديد بعبد الرحمن النقيب،
ووصفته بالمرتد عن الإسلام، لا سيما في فترة اندفاعه لتوقيع معاهدة 1922 مع
بريطانيا»([1219]).
وقد نظّم الفراتيون بالخصوص مواثيق خاصة، يطالبون فيها بالاستقلال التام ورفض
الانتداب، بل يطالبون بإلغاء الانتداب رسمياً، وكذلك بإطلاق حرية الصحافة ليقف
الرأي العام مباشرة على أحداث المفاوضات وبنود المعاهدة([1220]).
ومن المفيد
أن نسجل ملاحظة مهمة حول أدبيات المعارضة الإسلامية -آنذاك-، فمما يظهر من خلال
مطالعتنا لبعض المواثيق والبيانات الصادرة عنها، إنها كانت تستخدم مصطلحات سياسية
حديثة تتلائم مع مفاهيم السياسة الغريبة، كالديمقراطية والقومية، وذلك لغرض مخاطبة
مراكز القرار السياسي في العالم بلغة مفهومة لديهم، ولما كانت المرحلة سياسية
فلابد من توجيه الخطاب السياسي بتلكاللغة.