شخصيته باتجاه الالتصاق بالإنكليز، وإن كانت قصيرة إلا
أنها كانت بمثابة الدرس القاسي له حيث تكرست لديه ضرورة الاعتماد على بريطانيا
لحفظ عرشه، وإن الاعتماد على الضباط العرب لوحدهم لا يكفي لضمان النجاح، وذلك لأن
فيصل بن الشريف حسين كان يظن بأن الإنكليز قد تخلّوا عنه وسلّموه للفرنسيين في
الساعة الحاسمة. ومن ناحية أخرى، إن تتويج فيصل ملكاً على العراق عبر هذه القناعة
تعدّ صفقة رابحة للبريطانيين حيث ستعيد سيطرتهم على الشريف وولده فيصل، وقد أُفهم
فيصل بأن مساندتهم له وحمايتهم لوضعه وتقديمهم المعونة المالية لأبيه، كل ذلك
متوقف على مدى انسجامه مع الخطة البريطانية والسبيل الذي يسلكه في الحكم([1107]).
وهذه العملية تعد إعادةً صريحة للثقة في نفوس المتعاملين مع بريطانيا، وتكريساً
لمراسلات (حسين - مكماهون)، التي أكدت إبان الحرب العالمية على تكوين دولة عربية
واحدة تضم سورية والعراق والحجاز([1108])
على الطريقة البريطانية. فقد كان رأي وزير المستعمرات البريطانية (ونستون تشرشل)
الذي ترأس المؤتمر الخاص للمسؤولين البريطانيين في أقطار الشرقيْن الأدنى والأوسط
في الثاني عشر من آذار 1921م، إن عرش العراق يسند إلى الملك فيصل مـمّا يوفر سيطرة
بريطانية عليه وعلى أبيه شريف مكة، ومعنى ذلك السيطرة على المنطقة العربية بالكامل([1109]).
ومما لا يخفى أن موقف الشريف حسين المتأرجح
بين الزعامة الدينية والسياسية يجعله الشخص الأنسب للتعامل معه، للحاجة المتقابلة،
وتبادل المنفعة بين الطرفين، يقول عبد الله النفيسي: «وكان موقف الملك حسين من
البريطانيين، ومن الأتراك موقفاً مناسباً جداً للمصالح البريطانية في هذه البقعة
من الأرض. كان الحسين في حاجة إلى مساندة البريطانيين المالية والسياسية.. ولكن
الحسين مرغم على أن يضع قناعاً يخفي حقيقة صلاته مع البريطانيين لكي يتبرر أمام
العالم الإسلامي.. [ويضيف] أنه كان تفاهماً ساعد على جعل الوجود البريطاني هناك
أمراً يستسيغه الرأي الإسلامي العام»([1110]).