حلت بالدولة ما كانت تنفعها تلك الإصلاحات
المتأخرة، وإن نجحت - نسبياً - على المستوى العاطفي العام، ولكن بالمقابل رافقتها
عملية النمو السريع في الحركة الدستورية التي أخذت تسيطر على القرار السياسي
للدولة وقد بانَ ضعفها. كل ذلك حال دون التوفيق لمواصلة مسيرة الإصلاح الداخلي.
وحينما استلمت جمعية الاتحاد والترقي زمام الحكم بثورتها عام (1908م -1326هـ)،
نفّذت مآرب الاستعمار ضد الدولة العثمانية، وكافة المسلمين، مستفيدين من الأجواء
المتخلفة التي كانت سائدة في الأمة بشكل عام - آنذاك-.
3. أوضاع العراق في
نهايات العهدالعثماني
أ. نظرة تاريخيةعامة
إن المعرفة
التاريخية لمجمل الأوضاع، توفر حالة من الفهم والاستيعاب لتطور الأحداث وتناميها
على الساحة - فيما بعد -، فالتاريخ هو البوابة الطبيعية لدراسة جذور الأحداث
المستجدة، فنلاحظ آثار الماضي من الفعاليات والمواقف، منعكسةً في سلوك الحاضر،
أساس بناء المستقبل، حيث يتفاعل الناس مع اللاشعور الجمعي - إن صحّ التعبير - الذي
يعتبر المخزون المتراكم لتلك الفعاليات والمواقف، وذلك بالصورة التي تضمن استيعاب
تطورات الوعي الحياتي، ونضوج الظروف المحيطة. والعراق، ومنذ اكتمال الفتح العثماني
للبصرة عام (1546م -954هـ)، أصبح يتألف من أربعة ولايات هي: بغداد، الموصل،
البصرة، شهرزور (كردستان). وكانت الإمارات والعشائر الكردية منتشرة في ولايتي شهر
زور والموصل، وأما العشائر العربية فكانت منتشرة في ولايتي بغداد والبصرة، وكذلك في
ولاية الموصل. وقد اعترف العثمانيون بالعصبيات الحاكمة وبشيوخ العشائر، سواء في
مناطق الأكراد، أو في المناطق العربية، وكانت ولاية الموصل تغطي الجزء الشمالي
الغربي من العراق، وتشمل مدينة الموصل وأسكي موصل وعشائر طي، وتمتد إلى الجنوب حتى
تكريت، وإلى الشرق منها توجد ولاية شهرزور (كردستان). وقد امتازت ولاية الموصل عن
غيرها من الولايات العراقية، بوجود أعداد كبيرة من الجيش فيها، وأنها تعتبر كهمزة
الوصل بين ولايات العراق وولايات الأناضول