الصهيونية»([47]). وبتطور هذه الأحداث، تفاعلت الحالة
الإسلامية داخل الأمة، ووقف السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918م/1258 - 1336هـ)
إلى جانب فكرة تكوين الجامعية الإسلامية، لتتوحد كلمة الشعوب المسلمة إلى جانبه ضد
الخطر الأوروبي الغازي، «ولقد لقيت صيحته استجابة في خارج الدولة العثمانية -
بوصفه زعيماً للعالم الإسلامي كله، وليس للدولة العثمانية وحدها - والتف حوله
العرب المسلمون والفرس والترك لتعضيد الخلافة، وللذود عنها دون قيد أو شرط. وكان
من أخطر هذه الإنجازات تصفية موقف الخلاف بين تركيا وفارس، وبين السنة والشيعة،
ومن كلماته في هذا الصدد: «إن السمّ القديم
يجب ألاّ يسري في جسد آسيا القوي، وعلى السنيّين والشيعة أن يتّحدوا لمقاومة
أوروبا في محاولتها قهر العالم». وقوله: «يجب ألاّ ندع
الغرب يبهرنا فإن الخلاص ليس في المدنيّة الأوروبية وحدها»، «إن تركيا هي نافذة
الإسلام التي سيشع منها النور الجديد»([48]). وبالفعل بدأ السلطان بتنفيذ قرار مد خط
حديدي إلى مكة المكرمة في عام 1908م، كجزء من خطة الجامعة الإسلامية لمساعدة آلاف
المسلمين على أداء فريضة الحج، وكذلك لتيسير عملية التنقل للدعاة والمبشرين المسلمين
إلى هذه المسافات البعيدة، وقد نهض بالمشروع في حماسة بالغة، وحشّد له كل ما
استطاع من جهد مادي وبشري حتى تم إنجازه بسرعة خارقة، وبدون أي عون من أوروبا. وقد
أشار تقرير السفير البريطاني لدى الباب العالي سنة 1907م، 1325هـ، إلى هذا الخطر
بقوله: «يمكننا أن نقرر، أن أهم حوادث السنوات العشر الأخيرة على الأقل
(1897-1907م / 1315-1325هـ) خطة السلطان الباهرة التي استطاع أن يظهر بها أمام 300
مليون مسلماً في ثوب الخليفة الذي هو الرئيس الروحي في الدين الإسلامي، وإن يقم
لهم البرهان على قوة شعوره الديني وغيرته الدينية ببناء سكة حديد الحجاز، ونتيجة
لهذه السياسة فقد أصبح حائزاً على خضوع رعاياه له خضوعاً أعمى»([49]).
وهكذا
نتلمس - من خلال هذه النظرة العامة - محاولات إصلاحية، بذلها المصلحون العثمانيون
على المستوى الإداري والسياسي، لغرض تطوير أوضاع الدولة العثمانية، إلاّ أن الأزمات
الاقتصادية والسياسية التي
[47] حلاق، د. حسان:
المرجع ذاته، ص22. نقلاً عن يوميات هرتزل، 25 آب (أغطس) 1896، ص457 (الترجمة
العربية، ص45).