وبذلك تركّز دور الجيش البريطاني حول ترتيب
الأمور وتعبيد الطرق للحكومة المحلية المؤقتة، فأصبح كالدرع الواقي لها، واليد
الضاربة لأعدائها. وهي مهمة كبيرة كانت في غاية الصعوبة والحساسية وخاصة في أوساط
العشائر الشيعية التي تدين بولائها المطلق لسلطة المجتهد الأكبر حيث علّقت بعض
المفاوضات وشروط الاستسلام لحين عرضها على الإمام شيخ الشريعة الاصفهاني، ونيل
رضاه، «وكان الشيخ عبد الواحد سكر، شيخ قبيلة آل فتله، والشيخ مرزوق العواد، شيخ
قبيلة الحميدات من بين الذين وضعوا مثل هذه الشروط للاستسلام. ولكن محاولة كهذه لم
يقيّض لها النجاح - آنذاك - بسبب وفاة المجتهد الأكبر شيخ الشريعة فجأة في شهر
كانون الأول، الذي كان يقوم بدور بارز في بث الدعاية ضد السلطة البريطانية، وبعد
وفاة المجتهد الأكبر رفض (كوكس) مطالب زعماء القبائل. وبرفضه هذا أنزل نيابة عن
سلطة الحكومة الجديدة أول ضربة قاضية على سلطة أهل الحل والعقد، تلك السلطة التي
يتمتع بها العلماء، والتي تعتبر العقبة الكأداء الأولى»([1056]).
ومعنى ذلك
أن المعركة السياسية بلغت شوطاً متقدماً في خارطة الصراع، وذلك حينما بدأ (كوكس)
بمحاربة أقدس شعار للثورة وهو المطالبة بالاستقلال التام، هذا الشعار الذي كان
يتمسك به الإسلاميون وعلى رأسهم القيادات العلمائية والمرجع الأعلى بالتحديد. فإذن
دخلت القضية في مرحلة العنف السياسي والإرهاب الفكري لفصل العشائر عن العلماء أي
تفتيت القوى المتلاحمة على طريق الثورة بقيادة المرجعيةالدينية.
ب. الحكومةالمؤقتة
إن
المحاولات الاستيعابية من قبل سلطة الاحتلال لحركة الأمة المنادية باتجاه التحرّر
والاستقلال عن أية سلطة أجنبية على المستوى الثوري والسياسي، شخصت الضرورة الملحة
في تشكيل حكومة مؤقتة، يرأسها أحد العراقيين، يتم اختياره ضمن مقاييس بريطانية
محسوبة، وذلك