خططها واجتمعت مواردها استعداداً للثورة العربية على
الأتراك الذين كانوا قد دخلوا الحرب العالمية الأولى في جانب الألمان
ضدالحلفاء..».
ويضيف الدكتور عمارة بقوله:
«لكن هذه المسيرة القومية العربية
التي انخرط فيها عرب المشرق، لم تؤت الثمرة المرجوّة.. ولعل القدر يسخر عندما جعل
إجهاض مشروعها العربي بفضل الغرب والترك معاً، رغم أنهم كانوا أعداءاً متحاربين.
فالأتراك قد أعدموا أبرز قيادات الجمعيات القومية العربية، الأمر الذي جعل هذه
الجمعيات تسلم زمام أمرها لقائد من خارج صفوفها هو الشريف حسين بن علي (1856-1931م)
الذي وإن لم ينقصه الطموح والحس القومي إلاّ أنّ ثقته في (الشرف) الإنجليزي قد أدت
إلى المأساة التي تمخضت عنها الحرب العالمية الأولى بالمشرق.. فمقابل وعود تميزت
بالغموض في كثير من جوانبها، أعلن الشريف من الحجاز ثورة العرب ضد الأتراك في 5
يونيو (حزيران) سنة 1916م [الموافق للخامس من شهر رمضان 1334هـ].. على حين كان
الإنجليز والفرنسيون والروس قد تبادلوا - سراً - قبل ذلك بشهر واحد في 9/مايو،
المذكرات حول معاهدة (سايس - بيكو) التي اقتسموا بها المشرق العربي. وبانتهاء
الحرب أعلنت المأساة.. فلسطين والعراق احتلهما الإنكليز.. وسوريا ولبنان احتلهما
الفرنسيون، وانتهى المطاف بالشريف حسين ملكاً سابقاً يعيش في قبرص منفياً»([40]).
كانت هذه
النظرة عامة عن تطور العامل الداخلي، أما العامل الخارجي المتلخص في محاولات تدخل
الدول الأجنبية الطامعة في شؤون بلاد المسلمين، فقد كان هذا العامل في بداية أمره
تحت ذريعة حماية حقوق المسيحيين في الدولة العثمانية، إلاّ أنه سرعان ما اتضحت
أهدافهم الاستعمارية. يقول محمد فريد بك:
«يرى القارئ تعصب
الدول لحماية المسيحيين بالدولة (العثمانية)، مع أنه لو تدخلت الدولة (العثمانية)
في شؤون إحداها وطلبت من فرنسا مثلاً، عدم التعرض لما يمس الأمة الإسلامية
بالجزائر، أو مساواة المسلمين بها بالمسيحيين واليهود، لشدّدوا النكير عليها
ورموها بالتعصب الديني، المتصفين هم به دون غيرهم. ولكن هي القوة، قضى التمدن
الغربي الحديث أن تسود على كل حق تحت راية الإنسانية والمساواة، وما هي إلاّ ألفاظ
لا معاني لها إلاّ فيما يلائم مصالحهم»([41]).
وذلك بدليل
أن الدول الأوروبية المتحالفة، حينما لمست حالة الضعف في الدولة العثمانية أواخر
عهدها، بدأت سلسلة من الاجتماعات والاتفاقيات فيما بينها ظاهرها مصالح إنسانية
معينة، كتحسين أحوال النصارى في
[40]
عمارة، د. محمد: القومية العربية والإسلام، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي
نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، طبع بيروت 1981م، الفصل الرابع،ص164-165.
[41]
فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، القاهرة 1893م، 1311هـ،ص416.