فإذن كانت من نتائج الثورة التركيز على إبعاد
الشيعة عن الإدارة والحكم في العراق كنتيجة طبيعية لعمق الخلاف والمعارضة بين
الشيعةوبريطانيا.
وعلى العكس
أنها «سوف تضاعف من اعتمادها على وجهاء السُّنة سكان المدينة، وعلى الطبقة السياسية
العثمانية السابقة، ونظام الحكم العراقي الجديد سيمضي لوحده ويستبعد الشيعة..
(جرتر ودبيل) نفسها اعترفت بالمشكلة في سجلها اليومي في 22 كانون الثاني 1921،
كتبت تقول: الحكومة الحالية التي هي بغالبيتها من السُّنة، لا تعمل أي شيء
لاسترضاء الشيعة، هي الآن تدرس عدداً من التعيينات الإدارية للمناطق، تقريباً كل
الأسماء التي تمّ اختيارها هي أسماء سنية، حتى للمنطقة الشيعية الواقعة على نهر
الفرات»([977]).
والحقيقة
أن السياسة البريطانية ومنذ البداية كانت تقوم على أساس إبعاد الشيعة عن المناصب
السياسية والإدارية المهمة، وكانت تثير بعض وجهاء السُّنة طائفياً لتستدر عواطفهم
فيتم تعيينهم بعد أن كانوا يرفضون التعيين الرسمي، كما سنرى ذلك مع السيد عبد
الرحمن النقيب أول رئيس وزراءللعراق.
وللعلم أن
حدود المعركة بين الإسلاميين - الحركيين والوطنيين - وبريطانيا لم تكن محصورة
بالقضايا الإدارية والتعيينات داخل إطار الحكومة، وإنما هي معركة حضارية طويلة
المدى، أُستخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة من قبل بريطانيا وواجهاتها المحلية في
العراق، لغرض إقصاء الإسلاميين - وعلى رأسهم علماء الشيعة، والوجوه السياسية
الوطنية المرتبطة بهم - عن الساحة السياسية والإدارية، وذلك خشية أدائهم السياسي
والإداري الذي يفرضه عليهم الإسلام بقيمه الوطنية والإنسانية المستقلة، هذا الأداء
الوطني المستقل يضرّ بوجود المحتلين على أرض الرافدين وبمصالحهم المتعددة، فكانوا
يحاربونهم تارةً بسلاح الطائفية والمذهبية، وتارةً أخرى بسلاح العلمانية وعدم
الالتزام الديني، والحقيقة أن مغزى المعركة يستهدف الحضارة الإسلامية التي كان
ينشدها الإسلاميون من خلال تأسيس دولتهم بعد تلك الثورة التحريرية التي خاضوها
بشجاعة فائقةٍ وتضحياتٍ جسيمة. تلك الدولة التي أراد الإسلاميون أن يجعلوها
نموذجاً