الطين بلة، إن الذين عهد إليهم إدارة المناطق
المحلية، كانوا يجهلون نفسيات العرب عامة، والعراقيين خاصة، بل الظاهر أنهم حسبوا
العراقيين هنوداً، فأسمعوهم قارص القول، وعوّدوا متشرديهم على امتهان الكرامات،
ومس العواطف، وكلم الصدور، فهيمنت على البلاد جيوش الفوضى والإرهاب والرشوة»([740]).
«وقد كتب حاكم الشنّافية يقول: لقد استخدم عدد من العرب في بناء سكة الحديد، وكنا
نلجأ إلى جمع العمال بالقوة في حالات كثيرة»([741]).
يروي في هذا الصدد - طالب مشتاق في مذكراته - فيقول: «إن
أحد شيوخ العشائر كان جالساً ذات يوم عند الحاكم السياسي في بعقوبة، وبينما كانا
يتجاذبان أطراف الحديث دخل كلب الحاكم إلى الغرفة، واقترب من الشيخ وأخذ يتشمم طرف
عباءته، فوثب الشيخ مذعوراً وصاح: «عوذة، عوذة»، فاستغرب الحاكم من ذلك وسأل
الشيخ: ماذا جرى؟ لماذا جفلت؟ إنه كلب مؤدب لا يؤذي أحداً بحضوري. فأجابه الشيخ:
أنا لست بخائف منه، ولكنهنجس.
فآزداد
استغراب الحاكم، وصاح في وجه الشيخ لا، لا هذا ليس بنجس إنه أنظف منك»([742])!
ومن المفيد ها هنا أن أنقل تعليق الأستاذ الوردي على هذه القصة وأمثالها، حيث
يقول: «يبدو أن بعض الحكّام البريطانيين لم يكونوا يدركون مغبة بعض العبارات التي
يخاطبون بها شيوخ العشائر، أو لعلهم كانوا لطيشهم لا يهتمون بذلك، فالكلب لديهم
حيوان عزيز مدلل، وهم لا يدرون أن من أبشع الشتائم التي توجه إلى الفرد العراقي أن
يقال له (كلب) أو (ابن كلب»)([743]).