إن انفجار الثورة لأية أمةٍ لا يأتي من فراغ - كما هو معلوم - وإنما هنالك أسباب وعوامل تعيشها الأمة لفترات زمنية معينة تتلخص بالقهر والاضطهاد ومصادرة الحريات، من خلالها تتراكم حالات التذمر شيئاً فشيئاً وتنمو في أجواء التعسف السلطوي، ومتى ما تلاقحت مع الشرارة المباشرة في الأحداث والمواقف، والأمة متوحدة في ظل قيادة موحدة وواعية، تندلع الثورة وتتوسع. وعندها يجد المظلومون والمقهورون فرصتهم للتعبير عن الذاتوالأهداف.

ومن هنا يمكن تقسيم أسباب الثورة إلى أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، أما الأسباب غير المباشرة، فتتلخص في التراكمات المتنامية التي حصلت من جرّاء اصطدام العراقيين بسياسة العثمانيين بشكل عام والاتحاديين بشكل خاص من جهة، وبالاستعمار الغربي والبريطاني بالتحديد من جهة أخرى، وكلاهما - الاتحاديون العثمانيون والبريطانيون - شكّلا كمّاشتين متقابلتين لغرض واحد وهو استعباد واستغلال العراق، وغيره من البلادالإسلامية.

لقد انكشفت أغراض المستعمرين بصورة تامة، وذلك بعد الحرب العالمية الأولى وتقطيع أوصال الدولة العثمانية، وبالفعل «ها هو الاستعمار يكشّر عن أنيابه، ويظهر بطانته البالية السوداء، فيضرب بوعوده التي قطعها للعرب بالحرية والاستقلال عرض الحائط، غير مبالٍ بالدماء التي سفكت في سبيل قضيته، ولا مكترث بتلك النفوس التي زهقت من أجله»([710]). هذه التجربة المريرة كان لها تقييمها المشروع لدى العلماء المتصدين للحالة الثورية، فقد استطاعت أن تكشف عمليات الخداع والمراوغة التي يستخدمها البريطانيون ضد استقلال العراق، وتبيّن إشكالية الممارسة الإدارية لسلطات الاحتلال التي تنطلق من كونها عسكرية النهج([711])، فمن الطبيعي أن تكون استفزازية وعنيفة في الإدارة المدنية، مما وضع إدارة الاحتلال، بل الاستعمار البريطاني ككل في زاوية العداء الاستراتيجي