وتحاسد.. لابد أن ينقسموا إلى فريقين
متنازعين أحدهما موافق والآخر مخالف»([615]).
مما شدّد
عملية الحصار على المدينة، وهكذا استمر الحصار على الأهالي لأكثر من أربعين يوماً.
فأصبحت
حالة الناس يرثى لها، فاضطروا إلى شرب مياه الآبار المالحة، وارتفعت أسعار المواد
الغذائية ارتفاعاً فاحشاً، وانتشرت بين الناس هذه الأهزوجة «راس البصل بقران ترضَ
يا ربي»([616]).
وقد بيع لحم الحمير في السوق علانيةً، ويحدثنا محمد علي كمال الدين مـمّا شاهده
بنفسه، فيقول: «وقد شاهدت القطط وهي تأكل التمر، مع أنها لم تكن معتادة على أكله
في النجف.. وكنت أتألم كثيراً لمرأى هذه الحيوانات الوديعة وهي تعالج سكرات الموت
جوعاً»([617]).
إن هذه الأسباب الإنسانية دفعت العلماء بما فيهم المرجع الأعلى لمناشدة الإنكليز
لرفع الحصار عن النجف. يقول الدكتور علي الوردي: «تشير بعض القرائن إلى أن كبار
الملاّئية (علماء الدين)، وفي مقدمتهم السيد كاظم اليزدي، كانوا في أعماق قلوبهم
يستنكرون الثورة، وربما اعتبرها بعضهم فتنةً وعملاً من أعمال الأشقياء، وهنا يكمن
الفرق الأساسي بين ثورة النجف، وثورة العشرين». [ويضيف أيضاً]: «يمكن القول، على
أي حال، إن كبار الملاّئية، كانوا باتجاه ثورة النجف في موقف حرج، ففي الوقت الذي
كان فيه معظمهم يستنكرون الثورة قلبياً، كانوا يشعرون بالألم لما أصاب الفقراء
والضعفاء منها من ويلات الحصار»([618]).
على كل حال، اجتمع عدد كبير من علماء وأعيان النجف في
دار