وفي معركة الروطة شمالي
القرنه، كان السيد مهدي الحيدري، البالغ من العمر ثمانين سنة، قد نصب خيامه في
الخطوط الأمامية للجبهة، وعندما تكثف الهجوم الإنكليزي على المنطقة في 20 كانون
الثاني 1915م الموافق للخامس من ربيع الأول 1333هـ، رفض السيد الحيدري الانسحاب
حفظاً على معنويات الجيش والمقاومة الإسلامية، وقد كانت مراكزهم (خيامهم) متقدمة
على مواقع الجيش العثماني، لشدة عزمهم وعمق إيمانهم وصدق نواياهم في مواجهة العدو
المحتل، ونصرةً منهم للجيش العثماني. حيث قال: «إن معنويات الجيش كله ستنكسر إذا
قوضتم خيامنا، وربما ظنوا بأننا قد انسحبنا عن مراكزنا، فتضعف عزيمتهم، وتنهار
قدرتهم، بل يجب أن تبقى خيامنا قوة للجيش، وراية للإسلام، وهيبة للمسلمين، ورهبة
للكافرين». وتقدم نحو العدو يقود المجاهدين مع شيخوخته، حاملاً سيفه بيد، والقرآن
الكريم بيده الأخرى، محرضاً على الأقدام والاستبسال في سبيل الله. وكان يدعو الله
سبحانه أن تكون نيران قذائف العدو برداً وسلاماً على المجاهدين وبالفعل لم تمض
ساعات إلاّ وقد اندحر العدو اندحاراً فضيعاً، وتكبد خسائر جسيمة بالأرواح
والمعدات. وقتل من العدو ما يناهز الألف أو أكثر ومن جانب المجاهدين فقد سقط أربعة
عشر شهيداً وجرح ما يقارب الخمسين! والعجيب في هذه المعركة العنيفة سلّم الله
السيد وأصحابه جميعاً، وقد عدّ الناس هذا الانتصار كرامة عظيمة للسيد. وقد عرفت
هذه الواقعة بواقعة يوم الأربعاء لأنها صادفت يوم الأربعاء 5 ربيع الأول 1333هـ،
20كانون الثاني 1915م، وتعرف أيضاً بمعركة الروطة لأنها كانت قريبة من نهر الروطة([555]).
ويذكر في هذه الواقعة أن القائد العثماني (سليمان عسكري بيك) قد جُرح ونقل إلى
بغداد للمعالجة، وحينما زاره أحد العلماء الموظفين لدى الحكومة، وكان القائد
راقداً في مشفى بغداد إثر جرحه في الجبهة. قال له: «أنت ها هنا ترفل بالراحة
والطمأنينة والنعيم، مع أنك تتقاضى راتباً ضخماً من الدولة طيلة عمرك، وان الإمام
السيد محمد