الروس،
ليتم تدخلهم عسكرياً في العراق لمصلحة البريطانيين، غير أن نائب الملك في الهند
كان يخشى من التعاون الروسي الذي سينتهي في حالة نجاحه إلى تثبيت امتيازات لهم في
العراق. وبالتالي سيلحق الضرر بالمصالح البريطانية. ومما يذكر في محاولة فك الحصار،
إنه تمّ إرسال قوة بريطانية قوامها 9 آلاف جندي، بقيادة الجنرال (ايلمر )
في السابع عشر من شهر كانون الأول، ولكنها عجزت عن انجاز مهمتها الصعبة بعد أن
أصيب حوالي 7 آلاف إصابة بين قتيل وجريح، وفي هذه الواقعة لعبت قوات المجاهدين من
أبناء العشائر دوراً بارزاً في محاربة المد البريطاني([547]).
إلاّ أن هذا الانتصار للقوات العثمانية وفرق المجاهدين
كان مؤقتاً، أشبه ما يكون بشهر العسل، الذي أعاد الثقة بنسبة معينة للمجاهدين، ومن
ثم انتهت نشوة الانتصار بتراجع القوات العثمانية وفرق المجاهدين أمام التقدم
البريطاني. وتتمحور مجمل الأسباب في ذلك حول ضعف الإدارة العثمانية في توظيف تلك
الروح الثورية المتصاعدة، التي انتعشت بعد الانتصار في الكوت. فالمفروض أن تحتضن
لغرض الاستمرار في الجهاد وملاحقة المعتدين المنهزمين، لكن أُشيعت في الساحة حالة
التمجيد بالانتصار والتغنّي بمواقف الشجاعة والفوز، وكأن المعركة قد آنتهت!
وبالفعل ما استمرت القوات العثمانية والجهادية في ملاحقة الأعداء وطردهم من آخر
معاقلهم في البصرة، كما كان يريد ذلك الجنرال الألماني (فون درغولتس)، وهذه
السلوكية من قبل الجيش العثماني، تعّزز رأينا بخطة الاتحاديين، التي هي من ضمن
المؤامرة الاستعمارية، الرامية لانهاك العالم الإسلامي، وزعزعة الوحدة الإسلامية
وإسقاط الدولة العثمانية المسلمة.
ومن هنا لا
نستغرب من تمادي القائد التركي خليل باشا في غيه، وفساد خلَفه بعد انتصاره في
الكوت، بينما الإنكليز أخذوا درساً قاسياً من تلك التجربة المرة، فأعادوا تنظيم
صفوفهم، وحسّنوا سبل التموين والمواصلات، ورتبوا العناية الصحية، وقرروا احتلال
بغداد، وبالفعل تم ذلك بقيادة الجنرال (مس. مود ) في 11 آذار 1917 - 18 جمادى الأولى 1335هـ.