لقد تجسد
تحرك المرجعية الدينية في المواقف الواضحة للعلماء المراجع، والتي بدورها رسمت
للإسلاميين - عموماً - مواقفهم السياسية وخطواتهم الجهادية -وقد مر معنا - الموقف
القيادي الحاسم الذي آتخذه الشيخ الخراساني لتحقيق الحياة الدستورية في إيران،
وأوضحنا خطوط المعارضة لها. وكذلك الموقف التوجيهي للشيخ الخراساني من ثورة
الدستور العثمانية، الذي يدلل على حرص هذه المرجعية القيادية على مستقبل الدولة
الإسلامية. فقد بعث برقية مفصلة إلى السلطان عبد الحميد قبيل ثورة الدستور تتضمن
إرشادات ونذر إلى جانب الدعوة الملحة للاستجابة للحياة الدستورية في البلاد، وأكثر
من ذلك، لقد بعث الشيخ الخراساني رسالة شديدة اللهجة إلى السلطان عبد الحميد، في
أيامه الأخيرة، يطالبه بمعالجة الموقف وإقرار الحياة الدستورية، وتفويت الفرصة على
الاتحاديين في ثورتهم ممّا أثار بعض العلماء ضده، خوفاً من انتقام السلطان من
المرجعية الدينية الشيعية وعموم الشيعة، إلا أنه طمأنهم بقوله: «لا تخافوا ولا
تلوموني فقد استخرت الله فخار لي ذلك، وأنه معنا وسينصرنا على القوم الكافرين»([441]).
ومن ثم أبدت المرجعية الشيعية وتيارها في الساحة، مواقف معارضة للاتحاديين بكل ثقة
وصلابة. هذا، وقد حملت المرجعية لواء الجهاد دفاعاً عن حرمة الإسلام والمسلمين،
بغض النظر عن الولاءات المذهبية والحدود الإقليمية والانتماءات العرقية، فحينما تم
الاحتلال الإيطالي لليبيا عام 1911م، وقفت القيادة الدينية - الشيعية بكل
إمكانياتها إلى جانب الدولة العثمانية في سبيل الدفاع عن ليبيا([442]) «فقد أصدر
الشيخ الخراساني فتوى للجهاد والدفاع عن ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي لها، وقد أكد
هذه الفتوى بعد وفاته، اثنان من كبار المجتهدين هما: السيد محمد سعيد الحبوبي،
والشيخ محمد (صاحب الجواهر)، وقد أرسلت (الهيئة العلمية) إثنين من أعضائها إلى
ليبيا لغرض الاستطلاع، ودرس إمكانية الاشتراك في حركة الجهاد هما: السيد مسلم زوين
وعزيز