والواقع أن الكثير من السياسيين العرب أيدوا
ثورة الاتحاديين باعتبارها ستؤدي إلى تحقيق مطاليبهم، بل يلاحظ هذا الموقف لدى
معظم الزعامات المنتمية للعائلات المعروفة في البلاد من المسلمين والمسيحين، و«قد
عبّروا بطرق مختلفة وبمناسبات عدّة عن شكرهم لهذه الثورة، إلا أن أملهم كان هو ألا
تنحرف إلى النقطة التي كانوا يشكون منها في الآبق. ولكن التأييد الصهيوني للثورة
كان على شكل يثير القلق والشكوك العربية، فقد رفع الصهيونيون في كافة أنحاء
المستعمرات - لاسيما في يافا - علماً أزرق وأبيض هو علم الصهيونية، ورفعوا إلى
جانبه علم الاتحاديين الأحمر والأبيض، ورفعـوا نداءات مؤيـدة للأخـوة الاتحادية -
الصهيونية»([436]).
وإلى جانب
هذه الجمعيات والنوادي التي تبنت التوجّه القومي والعلماني، برزت المعارضة
الإسلامية بأبعادها الفكرية والشعبية إلى موقع الصدارة في الأمة، وسجّلت صفحات
مشرقة من النهوض والوعي والجهاد، خلال (1908-1914م). وقد تجلّت مواقفها الثقافية
والسياسية والجهادية إبّان الحركة الدستورية في طرح مشاريع النهضة الثقافية من فتح
المدارس الحديثة وإصدار المجلات والكتب التي مر ذكرها. وبذلك خلقوا تياراً
إسلامياً عاماً قاد نهضة الشارع العراقي. وسنتناول مواقف المسلمين الشيعة بالتفصيل
في فقرةمستقلة.
أما مواقف المسلمين السُّنة فقد تكثفت نشاطات علمائهم
وأعيانهم بعد انكشاف أمر الاتحاديين وسياستهم العدوانية ضد الشريعة الإسلامية،
فظهرت معارضتهم للاتحاديين في البصرة والموصل عبر القواعد الاجتماعية العريضة التي
كانت تحت نفوذهم، بينما امتازت معارضتهم في بغداد بقوة مؤثرة، فقد ساهموا مساهمة
فعالة في خلق رأي شعبي عام معارض للسلطة الجديدة ومؤيد للسلطان عبد الحميد الذي
يعتبرونه خليفة على المسلمين. فشهدت صلوات الجمعة في المساجد، وبعض الندوات
الثقافية هذا التوجه العلني، كما وشكّلوا (لجنة المشورة) وهي جمعية أسسها مجموعة
من أشراف بغداد وأعيانها، للوقوف في الصف المعارض