المفروض أن نجعل للبيئة العامة دوراً محدّداً، والمسألة
تعود إلى درجة الإيمان بالإسلام ونوعية الإيمان أيضاً، فمنهم من ينظر إلى الإسلام
نظرة هامشية، تسلبه قدرة استيعاب التطور العلمي فيستسلم أمام البريق الغربي، ومنهم
من يدعو الأمة للمزيد من الوعي الإسلامي الذي تكمن فيه أسرار القوة والتقدم.
فالأستاذ لا يفرّق كثيراً بين المنهجين المتناقضين، والمهم لديه النمو والقفزة
سواء تم ذلك في منحى البناء الإيجابي لحياة المسلمين، أو في منحى الهدم السلبي في
حياتهم، وهذا الأمر إن دلّ على شيء فإنه يدل على ضعف الرسالة الهادفة للأستاذ
الوردي، ومن هنـا يقـول: «في عـام 1910م،
نادى الزهـاوي بتحريـر المرأة ورفـع الحجـاب عنهـا.. [ويوجه منهجية الزهاوي
بقوله].. فالزهاوي يريد أن يقفز بالمجتمع العراقي إلى الحياة الحديثة دون مبالاة
بالدين والتقاليد، بينما كان الشهرستاني يريد عودة المجتمع إلى حضيرة الدين بعد
تنقيته من الأدران التي لحقت به في العهود المتأخرة»([354]).
وشتان بين التوجهيْن، توجّه الزهاوي الذي يصب نحو تفكيك أواصر المجتمع بإشاعة
الفساد والميوعة وبالتالي تحقيق الأهداف الاستعمارية، وتوجه الشهرستاني الداعي إلى
الأصالة الإسلامية من ناحية، وإلى التماسك والوحدة لمقاومة المستعمرين من ناحية
أخرى. لذلك لا نستبعد من طريقته لمعالجة الموضوع، على النتيجة التي يترنم عليها.
وذلك لوصول المجتمع إليها، حيث يقول: «نجحت دعوة الزهاوي أخيراً، بينما أخفقت دعوة
الشهرستاني.. ما نلاحظه في أبناء الجيل الجديد، إذ هم تركوا الدين وراء ظهورهم»([355]).
وهنا، لا يسعنا إلا أن نؤكد على أن هذا الرأي غير طبيعي
يصدر من (أستاذ متمرس)([356])،
فالدنيا لم تنته بتكالب أعداء الإسلام على الأمة الإسلامية في حين غفلة من
المصلحين الواعين، والحال إن للإسلاميين الهادفين جولات وصولات ستشهد الهزيمة فيها
لدعاة التفكك السلوكي، فالمعركة لم تنته فصولها بعد، ولنتنته.
نعم، إن المؤاخذات على الأطروحة الإصلاحية، تتمركز حول
فكرة مفادها، أنها ترميمية في المبادرة الإصلاحية، وليست كلية شاملة، فكانت تبدو
في بعض أفكارها ورؤاها السياسية، غير متكاملة، وربما متضاربة، والواقع أنها كانت
أسيرة الظروف المحيطة بها فمن خلال قاعدة تقديم الأهم قبل المهم اختلطت الرؤية
أمام الإصلاحيين ما بين المصلحة الإسلامية العامة وبين التوجهات المرحلية الخاصة.
فكانت «الأفكار التي اتخذها رجال