وذكروا أن ذلك من أفضل الأعمال الخيرية»([310]). وأكثر من ذلك فقد «أجاز
المجتهد الأكبر الملا كاظم الآخوند صرف الحقوق الشرعية على أمثال هذه المدارس»([311]). وبالإضافة إلى فتح هذه المدارس، أُنشأت
حلقات للتعليم الحديث من قبل بعض الإسلاميين التجديديّين، لغرض استقطاب الشباب
المسلم وتوجيهم بالثقافة الإسلامية المطعّمة بإنجازات العلم الحديث، وذلك بطريقة
توفيقية لغرض إذابة الجليد المصطنع بين الإسلام والعلم، ورفع التناقض الموهوم
بينهما، ومما لا يخفى أنها ظاهرة جديدة تستبطن التحّدي للحالة التقليدية الجامدة
التي كانت سائدة -آنذاك - بين الناس. فعلى سبيل المثال: «كان
الشهرستاني في أوائل القرن العشرين من أكثر الناس ولعاً بالمطبوعات المصرية.. وقد
اتخذ له حلقة دراسية في جامع الطوسي في النجف الأشرف، كان يدرّس فيها بعض مبادئ
العلوم الحديثة التي استمدها من المجلاّت والكتب المصرية، فأثار بذلك شيئاً من
الضجة، وآعتبره المتزمّتون متفرنجاً زنديقاً»([312]).
ومع وجود
هذه النظرة السلبية، استمرت الأطروحة التجديدية في انطلاقتها الفكرية، من عدة
مساجد وحلقات دراسية وكتب ومجلات وجرائد، وبذلك شكلت تياراً فكرياً واجتماعياً
متميزاً في الأمة، هذا التيار له رموزه وطلائعه، وبالفعل لقد «خلقوا
مدرسة جديدة في التفكير ما لبثت أن تحدّاها كتّاب آخرون وتعرضت للاضطهاد من جانب
المؤسسات الدينية المحافظة وكان من الطبيعي لهذا الصراع أن يتحوّل إلى جدال علني
يؤثر -ضمن حلقات واسعة - على مثقفي العراق في تلك المرحلة»([313]). وبالنتيجة كانت هذه الحالة التجديدية أبرز
المعالم الفكرية الرئيسية في العراق - آنذاك - أدت إلى نمو وعيٍ حركيٍ سياسيٍ
فيالساحة.