الأولى التي لو كانت قد ترسخت من خلالها أقدام
المستعمرين فإنها ستتبعها الويلات المتعاقبة. يقول ذبيح الله المحلاتي - الكاتب
الإيراني المعاصر لأحداث ثورة التنباك-: «..جاء
من لندن جماعة من الأجانب لا يقل عددهم عن مائة ألف نسمة بين رجال ونساء، ودخلوا
طهران وشرعوا في تنفيذ مقاصدهم، وأرسلوا في كل بلد من بلاد إيران عدداً من هيئتهم،
وقويت بذلك كل ملّةٍ في إيران سوى ملّة الإسلام وكثرت الفواحش وشرب الخمور، فلم
تزل كل يوم تكثر هذه الدواهي، وقد منح الأجانب المدارس لدعوة الناس إلى مذهب
المسيح، وجعلوا المبشرين (البرتستانت) في جميع المستشفيات ينفقون أموالاً جمّة على
الفقراء والمساكين ويستخدمون بنات الإسلام..»([301]).
ومن هنا نستوضح أن الفتوى التي فجّرت تلك الثورة
الشعبية، صدرت في الوقت الذهبي لإنقاذ الأمة، حيث تمت المبادرة القيادية في وقتها،
فأدت إلى لملمة شتات الأمة للوقوف صفاً واحداً تحت راية الإسلام، ضد الحاكم
المستبد، وضد التدخل الاستعماري الغربي في شؤونالمسلمين.
ومن الطبيعي أن تؤدي هذه الممارسات القيادية للميرزا
الشيرازي، والمنطلقة من العراق، إلى جعل المرجعية الدينية في موقع الصدارة لقيادة
الأحداث السياسية في الأمة، بالإضافة إلى صدارتها المعهودة في مسائل الفقه
والتشريع. وهكذا أرست هذه الممارسات دعائم القيادة الإسلامية في العراق،ومهّدت
لتبلور الحالة الإسلامية نحو وعيٍ حركي سياسي متقدم في أوائل القرن العشرين. ومما
يذكر تأييداً لما نذهب إليه، من أن أفكار الإسلاميين تستند إلى المدرسة التجديدية
للميرزا الشيرازي، ما ذكره السيد محمد الطباطبائي، أحد كبار المجتهدين في طهران،
في مذكراته التي كتبها عام (1911م، 1329هـ) قال فيها: «جئت
إلى طهران، عام 1894م [1312هـ] ومنذ دخولي إليها كنت بصدد تأسيس مشروطة في إيران،
وتأليف مجلس شورى شعبي..». وكتب رسالة إلى عين الدولة - رئيس الوزراء - في عهد مظفر الدين شاه، جاء
فيها: «إن إصلاح جميع المفاسد يتم من خلال تأسيس
مجلس، واتحاد الحكومة والشعب ورجال الدولة مع العلماء». وقد تكونت هذه الأفكار لدى السيد
الطباطبائي، منذ إقامته في العراق وتتلمذه على يد الميرزا الشيرازي في سامراء([302]).