المستسلمين أمام التيار الغربي، والمنهزمين
من حلبة الصراع ضده. وذلك لغرض تحصين الحالة الإسلامية من إمكانية الانفلات
والانخراط ضمن الثقافة الغربية التي أصابت بعض المسلمين. ومما لا يخفى، فقد كان
للصحف والمجلات العربية والأجنبية، التأثير الفكري والاجتماعي في الأوساط
العراقية، كالصحف المصرية والإيرانية، التي كان - بعضها على الأقل - بمثابة المرآة
العاكسة للثقافة الأوروبية، حيث «أصبحت مصر
كأنّها الواسطة الفكرية ودار التعريب بين أوروبا والبلاد العربية، فكانت الأفكار
الحضارية الجديدة تأتي إليها من أوروبا يترجمها الكتّاب والمؤلفون المصريون بعد أن
يضيفوا إليها طعماً عربياً، ثم ترسل بشكل صحف ومجلات وكتب إلى العراق والبلاد
العربية الأخرى عن طريق البواخر.. وأهم المجلات التي كانت ترد إلى العراق في تلك الآونة
هي: (المقتطف) و(الهلال)، وكانت النزعة الغالبة على كلتا المجلتين هي الدعوة نحو
تبنّي الحضارة والعلوم الحديثة ونحو بناء المجتمع على أساسها»([280]). يقول آلبرت حوراني: «..عندما
وصلت الأعداد الأولى من المقتطف إلى بغداد في 1876م، لم يرحّب بالمجلة إلاّ بعض الشباب،
بينما قاومها الـمحافظون من مختلف المذاهب السنية والشيعية والمسيحية واليهودية،
لأنها كانت في نظرهم تنشر عقائد جديدة وخطرة، حتى أن نعمان الآلوسي نفسه (سيرد
ذكره مع المصلحين العراقيين)، الذي كان زعيم حركة إصلاح إسلامية لا تختلف عن حركة
محمد عبده، قاومها هو أيضاً، وقد انقضى بعض الوقت بعد أن أخذت عقائدها في
الانتشار»([281]). فهذه الصحف كرّست بل ضاعفت المسؤولية
الشرعية على عاتق الإسلاميين الإصلاحيين، لذلك نشطوا لمناقشتها والردّ عليها، ومن
ناحية أخرى سعوا إلى ترشيد الرأي الإسلامي في مسار ثقافي إصلاحي يواكب النهضة
العصرية. فمثلاً، حينما نشرت مجلة (المقتطف)، مقالات شبلي شميل، شارحاً فيها نظرية
(داروين) في النشوء والارتقاء، ومبيناً أصل خلقه الإنسان في مقالات