المخصوصة
لها، فتعيش أجواءً خصبةً للتبادل الثقافي والتجاري، كل ذلك يؤدي إلى توطيد العلائق
بين مختلف المدن والأرياف والعشائر بل حتى سكان البادية مع تلك المراكز ورموزها
الفكرية، والجدير بالذكر أن لوكلاء المراجع في كافة مناطق العراق الدور الواضح في
توثيق تلك العلائق. وبالفعل منذ أواخر القرن التاسع عشر شهدنا «..بلوغ
النجف ذروة مكانتها مركزاً للعواصف السياسية، وبروز علماء الشيعة أداة حاسمة في
النشاط والتحريك السياسييْن..»([201]). ومن هنا نؤكد على أن هذه الحيوية الحركية
لدى علماء المسلمين الشيعة هي نتاج تلك الأسس والمرتكزات الفكرية التي يستندون
عليها في انطلاقتهم نحو بناء الحياة، بالإضافة إلى الاستقلالية المالية التي
يعتمدونها في إدارة شؤونهم الخاصة ونشاطاتهم الدينية بشكل عام، يقول الدكتور
النفيسي: «إن العامل الرئيس الذي عمّق شقّة الخلاف
بين علماء السُّنة وعلماء الشيعة في العراق، الأمر الذي كان له أثر فعّال في وجهتي
النظر السياسية لدى الطرفين هو مصدر الدخل لدى كل طائفةٍ منهما، فإن العالِم
الديني السُّني في العراق يعتمد في دخله على ما تقدمه له السلطة العراقية، أي أنه
كان يعتبر موظفاً حكومياً يتقاضى مرتّباً، بينما كان العالِم الديني الشيعي.. يرفض
كل عونٍ مالي حكومي..»([202]). نعم «ولأن
النجف كانت دوماً تؤكد استقلالها الذاتي فإنها أصبحت مع الأيام مركزاً سياسياً
مهماً ناشطاً للشيعة في العراق»([203]).
بل أبعد من
العراق «فإذا نشأت مشكلة خطيرة في العالم الشيعي،
وليس في النجف وحده، فإنّ الناس يتطلعون صوب النجف، وينتظرون كلمة المجتهد الأكبر،
الحكم الأول في القضايا الخطيرة الذي يصدر فتوى بعد أن يكون قد تداول القضية مع
مستشاريه»([204]).
هذا، ومن
المهم أن نشير إشارة سريعة - أيضاً - ضمن هذه الفقرة من الحديث الإجمالي عن مميزات
المسلمين الشيعة إلى مسألتين مهمتين بالإضافة إلى ما سبق، وأحيل القارئ الكريم
لتناول التفاصيل إلى الكتب المعنية،وهما:
[201] نظمي، وميض: شيعة
العراق وقضية القومية العربية: الدور التاريخي قبل الاستقلال، الفصل الرابع من
كتاب (دراسات في القومية العربية والوحدة)، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية
سلسلة كتب المستقبل العربي(5). طبع بيروت ط1، 1984م،ص188.