المشاركة
والتأييد فقط([199]).
بينما تبقى الأُمة - في مختلف مراحلها - تنهل باستمرار من بركات المعين الصافي،
حيث الأصالة الإسلامية مباشرة، عند فتح باب الاجتهاد، ووجوب تقليد الفقيه المعاصر
الأعلم، كما هو لدى الشيعة الامامية، وبهذه الطريقة ستستمر مسيرة الإبداع العقلي
ضمن الأطر الشرعية، وهي تواكب تطورات العصر، ومستجدات الحياة العملية، وفي اعتقادي
- أيضاً - إن هذه المسألة تعتبر ضرورة شرعية وعقلية وحياتية. فلذلك أسس العلماء
مدارس دينية وحوزات علمية بطابعها الاستقلالي التام عن السلطات الحاكمة، وذلك في
مناهجها الدراسية، وطريقة إدارتها، والمسألة المالية. كما وَثّقوا حالة الارتباط
بالأمة إلى درجة كبيرة وذلك عبر شبكة الوكلاء والممثلين عنهم المنتشرين في أنحاء
البلاد، حتى القرى والمناطق النائية. وكذلك يلاحظ على الحوزات العلمية، خصوصاً في
مراحلها المتقدمة أنها شيّدت عند مراقد الأئمة والأولياء، ففي العراق ظهرت النجف
وكربلاء والكاظمية وسامراء، مراكز علمية للدراسات الإسلامية والأدبية. وحينما يتخذ
المرجع الأعلى إحدى هذه المدن مقرّاً له، ستتحول إلى مركز القرار القيادي للتحرك
والثورة والإدارة السياسية. كما سنلاحظ ذلك بتطور الأحداث في المباحث القادمة([200]).
بينما تبقى ممارسة الأدوار الثقافية والفكرية مستمرة في
جميع المراكز الأخرى. وإن لم تكن مقراً للمرجع الأعلى، ولكن المواقف الحاسمة التي
تتطلب الرأي المركزي القاطع تحال إلى المرجع الأعلى الذي يبتّ بها، بعد أن يدرسها
مع مستشاريه مراعياً الظروف الذاتية والموضوعية للأمة. ولذلك تتطلع جميع المراكز
الدينية الأخرى، بل تتطلع الأمة لقراره العام. وبمرور الأيام أصبحت لهذه المدن
المقدسة أهمية اقتصادية واجتماعية بالإضافة إلى الأهمية الفكرية والسياسية.
وبالفعل تحولت إلى مراكز للإشعاع الفكري والأدبي، فتكثفت فيها اللقاءات بين مختلف
الطبقات الاجتماعية والثقافية، ومما زاد في كثافة حركتها وجود مواسم الزيارات
[199]
يعقوب، المحامي أحمد حسين: المرجع السابق،ص320.
[200]
الحوزة العلمية هي مركز دراسات العلوم الإسلامية الشرعية، وهي تكون بإشراف المراجع
وامتداداتهم من الوكلاء. للمزيد من الإطلاع حول الحوزات الدينية راجع، مالك، محمد
جواد: الحوزات والجامعات تقويم ومقارنة، طبع بيروت (1414هـ،1994م). وللاطلاع على
أهم مدارس الفقه الشيعي، وتنقلها من مكان لآخر عبر العصور، راجع، الآصفي، محمد
مهدي: تاريخ الفقه الشيعي، تقديمه لكتاب اللمعة الدمشقية للشهيد الأول. ط2، بيروت
1403هـ، ص26-76.