فظهر أنَّ الغرض من خلقه ـ أي المكلَّف ـ إثابته على الدوام، ولم يحصل في بعض الصور لمانع هو
العصيان، فجاز إذا كان ذلك المانع حقّه تعالى أنْ يرفعه ويسقطه، وإذا كان الغرض من
خلقه إثابته, فمعاقبته نقض
غرضه من خلقه، وهو على الحكيم محال([1089]). وأيضاً العفوُّ من لا يُعَذِّبْ
على الذنب مع استحقاق العذاب، وذلك الإستحقاق([1090]) لا يحصل في غير صورة
النزاع، إذ لا استحقاق بالصغائر أصلاً, لأنّها أحرى بعفوه([1091])، ولا بالكبائر بعد
التوبة، فلم يبق إلّا الكبائر قبلها, فهو يعفو عنها, وهو المطلوب، وإنْ لم ينله ـ
أي المكلَّف ـ عفوه تعالى؛ بأن لم يتفضّل عليه, بل يحكم بالعدل، أو كان الذنب
متوعداً عليه بالتعيين ـ يعني يكون الذنب فيما بينه وبين مخلوق ـ فأمّا أن يحبط
أحد الإستحقاقين ـ أي إستحقاق الثواب والعقاب ـ بالآخر, أو لا يحبط, والأول:
الإحباط([1092]) وسنبطله, والثاني: إمّا
أن يثاب بالجنّة, ثمّ يعاقب بالنار, وهو خلاف الإجماع، أو بالعكس ـ أي يعاقب, ثمّ يثاب
بالجنّة ـ وهو الحقُّ المجمع عليه بين الأُمّة.