زال
عنه ذلك الوجود في زمان آخر, ثمّ اتصف به في زمان ثالث، فالتخلّل بحسب الحقيقة
إنـَّما هو: لزمان العدم بين زماني الوجود الواحد، وإذا اعتبر نسبة هذا التخلّل
إلى العدم مجازاً, كفاه اعتبار التغاير في الوجود الواحد بحسب زمانيه. ولـمّا
كان حشر الأجساد حقّاً
معلوماً من الدين ضرورة, وجب أن لا تعدم
أجزاء أبدان المكلّفين وأرواحهم، وكذا غير المكلّفين,
ممّا ورد حشرهم ـ كالوحوش على ما سيجيء ـ بل يتبدّل التأليف ـ أي تأليف الأجزاء ـ ويزول, والفناء
المشار إليه بقوله
تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) ([1057]) وقوله: (كُلُّ
شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)
([1058])كناية
عنه ـ أي عن ذلك
التبدّل والتفرّق ـ فإنّه هلاك وفناء كالإعدام, إذ هلاك كلّ شيء خروجه عن صفاته
المطلوبة، والتفرّق وزوال التأليف الذي به تصلح الأجزاء لأفعالها كذلك, فيكون
هلاكاً([1059]).
شبهة للفلاسفة في نفي المعاد الجسماني.
قالت الفلاسفة:
حشر الأجساد كما
يقول به الإسلاميون محال؛ لأنَّ كلّ
جسد مركّب من
العناصر الأربعة، اعتدل مزاجه الحاصل من فعل كلّ منها في الآخر، وانكسار
سورة كيفيّة الكل, وحصول كيفية وحدانية، واستعدّ مزاجه لقبول الفيض من المبدأ الحقيقي؛ بسبب
مناسبته له بتلك الوحدة، استحقّ بذلك الإستعداد فيضان
النفسمن
العقلالفعّال، المفيض للحوادث على عالمنا هذا, قالوا:
كلّما كان المزاج أعدل, فهو إلى الواحد الحقيقي أميل، ولأنوار فيضه أقبل,