والخامس: التوقف في هذه الأقسام، وهو المنقول عن
جالينوس, فإنّه قال: لم يتبيّن لي أنَّ النفس هي المزاج فينعدم عند الموت فيستحيل
إعادتها، أو هي جوهر باقٍ بعد فساد البنية, فيمكن المعاد حينئذ([974]). ولا يخفى عليك أنَّ الدليل السابق في إثبات
المعاد إنمّا يدلّ على المعاد الروحاني، وأمّا المعاد الجسماني فلا مجال فيه
للبراهين العقليّة، بل ثبوته إنـَّما يعلم بالسمع، فلذا تمسّك المصنِّف رحمه الله
في إثباته بأقوال الأنبياء, فقال: الأنبياء
بأسرهم أخبروا بحشر الأجساد، خصوصاً نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عنه في مواضع بعبارات
لا تقبل التأويل، حتى صار معلوماً بالضرورة كونه من الدين، فمن أراد تأويلها
بالأمور الراجعة إلى النفوس الناطقة فقد كابر بإنكار ما هو من ضروريات دين محمّد
صلى الله عليه وآله وسلم، منها قوله تعالى: (قَالَ مَنْ يُحْيِي
الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ
مَرَّةٍ) ([975]) (فَإِذَا هُمْ مِنَ
الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ([976]) (أَيَحْسَبُ
الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ
نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) ([977]) (وَقَالُوا
لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا) ([978]) (أَفَلَا يَعْلَمُ
إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) ([979]) إلى غير
[974]
اُنظر: شرح الأربعين في أصول الدين للرازي:281, المسألة الثلاثون, الفصل الخامس,
المطلوب الثاني, وهو القول في المعاد. شرح المواقف للجرجاني:8/325, الموقف السادس,
المرصد الثاني, المقصد الثاني.