التكاليف، إذ لو
أمكن حصول هذا
الكمال لهم بلا واسطة التزام([935]) المشاقّ, لخلقهم
عليه ـ أي على ذلك
الكمال ـ ابتداءً, ولم يكلّفهم هذه التكاليف، وإنـَّما لم يكن
حصول هذا الكمال ابتداءً؛ لـمّا تقدّم في باب حسن التكليف, أنَّ الإكرام الدائم من
غير استحقاق المكرَّم قبيح عقلاً، ولـمّا كانت
الدنّيا هي دار التكليف, فهي دار الكسب والإشتغال بمقتضيات التكليف، فلا جرم يعمّر
الإنسان فيها مدّة يمكن تحصيل كماله، سواء حصل كماله الممكن أو لا، ثمّ يحوّل
إلى دار الجزاء (وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ
بِمَا كَسَبَتْ)([936])، وتسمّى دار الجزاء: دار
الآخرة. والحاصل
أنَّ الله تعالىخلق العباد وكلّفهم بتكاليف شاقّة؛ لتعريضهم
للثواب الدائم إنْ التزموا أحكامه, ويعاقبهم إنْ أعرضوا عنها, وعمّرهم في الدنيا
مدّة يظهر منهم الإمتثال أو الإعراض. ولـمّا كان الموت ضرورياً للإنسان, لم يمكن
إيصال الثواب والعقاب الدائمين إليه في هذه الدنيا, فوجب إعادته في عالم آخر؛
لإيصال أعواض أعمالهم إليهم, وذلك هو الآخرة، وإنـَّما قلنا: إنَّ الموت ضروريّ
للإنسان؛ لأنَّ بدن كلّ شخص إنـَّما يتكوّن من العناصر الأربعة، والحرارة فيه
لاتزال تنضج الرطوبة وتفنيها بالتدريج, والغاذية تمدّ الرطوبة بأخلاف بدل ما
يتحلّل منها, فإذا ضعفت الغاذية, وقلّت الرطوبة, غلبت عليها الحرارة، فإنَّ المؤثّر
إذا دام اشتدّ أثره وإن كان ضعيفاً, وإذا انتفت الرطوبة بالكلّية انطفأت الحرارة
الغريزية, كانطفاء السراج بانتفاء الدهن, وذلك هو الموت الطبيعي([937]),