جاء به ممّا لا يعارض([860])العقل([861])، سواء كان للعقل دلالة عليه ـ
كاحتياج العالم إلى الصانع ـ أو لا ـ كتفاصيل وظائف العبادات الشرعية ـ يجب تصديقه؛ لأنَّ كلّ ما جاء به ليس إلّا وحي
يوحى إليه، وإنْ نُقل عنه شيء
ممّا يعارضه([862]) ـ أي العقل ـ بحسب
الظاهر لم يجز إنكاره؛ بناءً على خفاء وجهه، بل يتوقف فيه ـ, أي يجب التوقف فيه ـ إلى أن يظهر سرّه.
واعلم أنَّ
المنكِر بعثته صلى الله عليه وآله وسلم ـ كاليهود ـ احتجّ بأنَّ نبّوته تقتضي نسخ([863]) دين من قبله؛ لمخالفته إيّاهم في كثير من
الأحكام، لكنّ النسخ محال؛ لأنَّ الحكم الصادر منه تعالى لابدّ أن يكون مشتملاً
على مصلحة؛ لئلّا
[861] قال الحبلرودي: وأمّا بحسب الإعتقاد فلا يخلو: إمـّا أنْ يكون
موافقاً للعقل ولا يعارضه العقل, كإثبات الوحدانية للباري, والعلم, والقدرة, وإمّا
أن لا يكون ظاهرهُ موافقاً لظاهرهِ بل يعارضه, كإثبات الإدراك, والسمع, والبصر,
والاستواء, واليد, فإن كان الأول ـ أي ممّا لا يعارضه العقل ـ يجب تصديقه واعتقاد
حقيقته على ظاهره, وإنْ كان الثاني ـ أي نقل عنه عليه السلام شيء ممّا يعارضه
العقل ظاهراً, نقلاً متواتراً مفيداً لليقين بأنّه ممّا جاء به عليه السلام ـ لم
يجز إنكاره مطلقاً, كما لا يجوز إعتقاد ظاهره, بل يتوقّف فيه إلى أنْ يظهر سرّه
وتأويله بما يوافق العقل, كالعلم بالمدركات, والمسموعات, والمبصرات, والإستيلاء,
والقدرة بالنسبة إلى مثالنا, أو نُفَوّض علمه إلى علّام الغيوب, وإذا كان الأمر
على ما ذكرنا فشريعته... إلى آخره.
[863] الناسخ ـ النسخ لغةً ـ:الإزالة والنقل. وفي الشرع: هو الدليل
الشرعي الذي يدلّ على زوال حكم. قيل: الحكم الذي يثبت بدليل شرعي آخر مع تراخيه
عنه, وتستعمل ذلك في الحكم دون الدليل. رسائل المرتضى, الحدود والحقائق 2/288
وانظر: الحدود لقطب الدين النيسابوري:54,الفصل الثالث في حدود أشياء يشتمل عليها
الخطاب, التعريفات للجرجاني:330.