وإرادته بالضرورة, فيكون
فعله باختياره؛ لأنـَّا لا نريد بالإختيار إلّا هذا القدر ـ أعني كون الفعل
تابعاً لإرادته وداعيه ـ وبعد ظهور كون
فعله ـ أي العبد ـ تابعاً لداعيه وإرادته، أنْ
سمّوه إيجاباً؛ لكون الآلات من القدرة والإرادة صادرة من
الله تعالى([736])، كان ذلك منازعة
في مجرّد التسمية لا في المعنى، فإنـَّا
نقول: العبد مختار في فعله، بمعنى أنَّ فعله تابع لقدرته وإرادته، وأنتم تقولون:
إنّه غير مختار، بمعنى أنَّ قدرته مخلوقة لله تعالى، ولا
مضايقة فيها ـ أي في التسمية ـ إذ لكلّ أحد أن يصطلح على ما يشاء، ولو
قالوا ـ يعني المجبرة ـ في تقرير الشبهة: إنَّ
الله تعالى خلق العبيد فوجد منهم الفعل، ولو
لم يخلقهم لـمّا كانت الأفعال ـ أي لـمّا وُجِدت ـ ولـمّا
خلقهم كانت وثبتت الأفعال منهم، فيكون
هو تعالى فاعلاً بعيداً لها ـ أي لتلك الأفعال ـ
لأنَّ فاعل السبب هو فاعل المسبّب، كان جواب لو في قوله: ولو
قالوا مثل قولهم الأول في إيهام الإيجاب
دون الجبر، وأسهل في ذلك, ولم يحتج إلى إثبات أنَّ
القدرة والإرادة من الله تعالى([737])، لكن لا
يخفى على العاقل ما فيه من الضعف([738])؛ لأنَّ الكلام في المباشر القريب
للأفعال, هل هو الله تعالى أو العبيد؟ فإثبات أنَّ مباشره البعيد هو الله تعالى
نصب الدليل في غير محلّ النزاع, فيكون باطلاً([739]).
[736]
قال الحبلرودي: ولزوم وجود الفعل بوجودها وامتناعه مع عدمها. (حاشية ح).
[737]
في حاشية ح: دونهم, بخلاف الأول لاحتياجه إلى إثبات ذلك.
[738]
قال الحبلرودي: والفساد وعدم دلالته على الجبر أصلاً, بل المتخيل منه الإيجاب
المجاب عنه: بأنَّ فاعل السبب ليس فاعل المسبّب الأول. (حاشية ح).