من المؤمنين يعانقونه
في الدنيا والآخرة. ومنهم من قال: هو موازٍ للعرش غير مماسّ له. وذهب بعضهم إلى أنَّ
كونه في الجهة ليس ككون الأجسام فيها([557]), والمنازعة مع هذا القائل راجعة
إلى مجرّد اللفظ دون المعنى, وإطلاق اللفظ عليه يتوقّف على إذن الشرع, ولم يثبت
لنا في إثبات ما هو الحقّ ما تقدّم في نفي المكان والجهة، وإذا لم يكن الواجب في جهة([558]), لم يمكن إدراكه بآلة جسمانية ـ يعني حاسّة البصر ـ لأنّه لا يُدرك بها إلّا ما كان جامعاً لتسعة شرائط:
الأول: أن
يكون في جهة مقابلة للباصرة، أو في حكم المقابل, كالمرئي
في المرآة.
الثاني:
كونه جائز الرؤية, بأن لا يكون مجرّداً([559])، بل شيئاً قابلاً
للإشارة
[557] اُنظر: الملل والنحل للشهرستاني:45, الفصل الثالث, 2 المشبهة.
[558] قال ملّا خضر الحبلرودي: ذهب بعضهم إلى أنّه تعالى في جهة,
واستدلّ على ذلك بشبهتين: الأولى: إنَّ بديهة العقل شاهدة بأنَّ كلّ موجودين
فُرِضا لابدّ وأن يكون أحدهما سارياً في الآخر, كالجوهر وعرضه, أو مبايناً عنه في
الجهة, كالسماء والأرض, والواجب تعالى ليس حالاً في العالم ومحلاً له, فيكون
مبايناً عنه في الجهة. وجوابها: بمنع الصغرى, وشهادة العقل, أي لا نسلّم حصر كلّ
موجودين فرضا فيما ذكرتم, كيف ولم يقع النزاع إلّا فيه, ولو كان ذلك بديهياً لـمّا
اختلف العقلاء فيه, وقد اختلفوا.
الثانية: إنَّ الجسم يقتضي الحيّز والجهة؛ لكونه قائماً
بنفسه, والواجب تعالى يشاركه في ذلك, فيشاركه في اقتضائهما. والجواب: إنـَّا لا
نسلّم أنَّ الجسم إنـَّما يقتضي الحيّز والجهة لقيامه بذاته, بل الجسم يقتضيهما
بحقيقته المخصوصة, وهي غير مشتركة, فلا يلزم ماذكرتم. (حاشية ح).