إعلم أنّ
طائفة من المتكلّمين ذهبوا إلى أنَّ إدراك الجزئيّات بالحواسّ الخمس هو نفس العلم
بها, فإدراك المسموعات بالسامعة علم بها, وإدراك المبصرات بالبصر علم بالمبصرات([533]), وهكذا سائر إدراكات الحواسّ, وخالفهم بعضهم
مستدلاً بأنّا إذا علمنا شيئاً علماً تامّاً, ثمّ رأيناه فإنّا نجد بين الحالين
فرقاً ضرورياً, ونعلم أنّ الحالة الثانية مخالفة للحالة الأولى بلا شبهة, ولو كان
الإبصار علماً بالمبصرات لم يكن هناك فرق, وظهر أنَّ هذا([534]) الإستدلال إنّما يتمّ لو أمكن العلم
بالجزئيات بطريق آخر سوى الحس, وهو باطل؛ لأنّ الجزئيات([535]) من حيث خصوصياتها لا تُدرَك إلاّ بالحس.
إذا عرفت
هذا، فنقول: ذهبت الطائفة الأولى إلى أنَّ سمعه وبصره هو علمه بالمسموعات
والمبصرات, فسمعه وبصره راجعان إلى صفة العلم عند هؤلاء.
وذهبت الطائفة الثانية إلى أنّهما صفتان
زائدتان على العلم, لكنّهما ليسا بآلة جسمانية, لاستحالتها في حقه تعالى([536]), وإلى هذا ذهبت الأشاعرة والكرامية
[533] قوله: (بالبصر علم بالمبصرات) لم يرد في ث. وفي ح: (علمه) بدل (علم).