قادر إنّما يقع فعله بعد
الداعي([452]), والشعور بمصلحة الفعل ـ كما عرفت في بحث
القدرة فثبت ـ إنَّ فعل الباري سبحانه وتعالى تبع
لداعيه, وكلّ من كان كذلك ـ أي يكون فعله تابعاً للداعي ـ كان
عالماً بالضرورة؛ لأنَّ
الداعي هو الشعور ـ
أي العلم ـ بمصلحة الإيجاد والترك, فيكون له شعور وإدراك, وهو المطلوب.
والثاني:
وهو الطريق المشهور في هذا الباب, إنَّ فعله تعالى محكَم خالٍ عن وجود الخلل,
ومشتمل على حكم ومصالح متكثّرة([453]), وكلّ من كان فعله محكَماً كان عالماً, أمّا
الأول فظاهر([454]) لمن نظر في الآفاق والأنفس, وتأمّل في
ارتباط العلويات بالسفليات, سيّما في الحيوانات([455]) وما هُديت إليه من مصالحها, وأُعطيت من
الآلات المناسبة لها, ويعين على ذلك علم التشريح, ومنافع خلقة الإنسان وأعضائه,
التي قد جمعت فيه([456]) المجلدات, وأمّا الثاني ـ أعني أنَّ كلّ من
كان فعله محكماً كان عالماً ـ فضروري, وينبّه عليه أنَّ من رأى خطّاً حسناً,
يتضمّن ألفاظاً عذبة رشيقة, تدلّ على معانٍ دقيقة, علم ـ بالضرورة ـ أنَّ كاتبه
[453]
قال الحبلرودي: أي مستتبعة لخواص كثيرة, مشتملة على أشياء غريبة, كما هو الظاهر
على المتأمل في المصنوعات. (حاشية ح).
[454] في حاشية ح: لأنَّ الحس يدل عليها, ولهذا استدلّ عليها
بقوله: لمن نظر.
[455] في حاشية ح: هذا على رأي
من يقول: إنَّ أفعال الحيوانات تصدر عنها, وأمّا من يسند الأفعال إلى الله ابتداءً
ـ كالأشاعرة ـ فلا إشكال ـ أيضاً ـ بأنَّ تلك الأفعال من أفعال الله تعالى, لا من
أفعال تلك الحيوانات.
[456] في حاشية ح: أي صنّفت في علم التشريح كتب كثيرة, في
كمّية صغر بعض أعضائه وكبر بعضها, وأيضاً في عَصَبه ومفاصله إلى غير ذلك.