ولو اعتقدوا كونه
مختاراً, لقالوا بحدوث العالم, والمتكلّمون لو سلّموا كونه موجباً, لم يمنعوا
إسناد القديم إليه تعالى, هكذا ذكره الإمام الرازي([346]), وهو يدلّ على أنَّ
المتكلّمين بنوا مسألة الحدوث على الاختيار, وليس كذلك, بل الأمر بالعكس, فإنّهم
استدلّوا ـ أولاً ـ على كون العالم حادثاً من غير تعرّض لفاعله أصلاً, ثمّ بنوا
على حدوثه أنَّ موجده يجب أن يكون مختاراً, إذ لو كان موجباً لكان أثره قديماً,
وهو باطل([347]). وإنـَّما قلنا: إنَّ
أثر القادر مسبوق بالعدم؛ لأنَّ أثره مسبوق بالقصد والداعي إلى الإيجاد, دون الموجب إذ لا
قصد له, والداعي لا يدعو القادر إلّا([348]) إلى إيجاد معدوم ضرورة؛ لاستحالة الداعي والقصد إلى إيجاد الموجود, وأثر الموجب يقارنه في الزمان وإن تأخّر عنه بالذات,
والمراد بالتأخّر الذاتي ([349]): الترتيب العقلي الذي بين المؤثِّر
الموجَب
[346]
اُنظر: شرح المواقف للجرجاني:3/182ـ183, الموقف الثاني, المرصد الثالث, المقصد
الخامس في أبحاث القديم.
[347] اُنظر: شرح الإشارات والتنبيهات مع المحاكمات لنصير الدين
الطوسي:3/81.
[349] التأخر بالذات: أن يكون الشيء محتاجاً إلى آخر في تحقّقه, ولا
يكون ذلك الآخر محتاجاً إلى ذلك الشيء. شرح الإشارات والتنبيهات لنصير الدين
الطوسي:3/110, أو يعبّر عنه بالتقدّم بالعلّية. اُنظر: كشف المراد للعلّامة
الحلّي:41, المقصد الأول, الفصل الأول, المسألة 33 في القِدَم والحدوث.
وفي حاشية (ح): إعلم أنَّّ تأخّر الشيء عن
غيره, يقال لخمسة معانٍ ـ على ما تحقّق في الفلسفة ـ: الأول بالزمان, والثاني
بالمرتبة والوضع, الذي يكون التأخّر المكاني صنفاً منه, والثالث الشرف, والرابع
الطبع, والخامس بالمعلولية, والأخيران يشتركان في معنى واحد, وهو التأخّر الذاتي.