وهنا: يقدم القرآن الكريم صنفاً جديداً
من الخلق يشتركون مع بعضهم بحواس بيولوجية كالأُذن والعين وغيرها وهي تعمل من
الناحية الوظيفية مكررة أي أنها لم تكن قد تعرضت لتلف عصبي بعارض مرضي أو بغيره،
فقد ولدوا وهم يمتلكون هذه الوظائف البيولوجية ولكنها لم تعمل من الناحية
السيكولوجية فهي لا تتحسس الجمال ولا تأنس به.
فالعين موجودة ولكنها لا ترى الجمال
ولا تأنس به وهي بهذه الحالة تكون عمياء لا تبصر، والأذن موجودة ولكنها لا تتحسس
الجمال ولا تعيه فهي صماء لا تسمع؛ وبالنتيجة يتحول الإنسان إلى مخلوق جديد عبّر
عنه القرآن بقوله: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ) ؛ ثم يتسافل إلى (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) سبيلاً
من الأنعام لينتهي به (أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
ولذلك: لم تكن أعينهم تبصر جمال تلك
الوجوه التي «لو أقسمت على الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله»([125])،
وآذانهم لم تكن تستمع القول كي تتبع أحسنه ولذا ذهبوا إلى تلك الوجوه (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ)([126])،
فأنسوا بها وأطمأَنت قلوبهم بجوارها يستسيغون القبيح من
القول ويفخرون بالرذيل من الفعل.
ولهذا الخلل في الحس الإنساني تراهم
حاربوا أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام ولهذا الانحراف الخلقي مالوا إلى أئمة الضلال
فأنسوا بهم وانقادوا إليهم كقطيع من عسلان الفلوات([127])
تتجمل بالموات وتطرب بالآهات الصادرة من أفواه الثاكلات.