والحسين عليه السلام استغاث به أهل الكوفة أكثر من عشر سنين وكانوا
يعاهدونه على النصرة والطاعة، وكان عليه السلام يعلم أن همتهم تقصر عن مستوى
وعودهم بل يعلم بعدم مصداقية الكثير منها. إلاّ أن ردّهم على أساس عدم مصداقية
وعودهم مما لا شاهد له فعلاً خصوصاً بعد اكتوائهم بنار بني أمية وجحيم خلافتهم
وإصرار أهل الكوفة السنين الطوال على المكاتبة والمعاهدة، ثم إنّ القرآن العزيز
يأمر بالقتال من أجل المستضعفين والحسين إمام الدين وخليفة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في الأمة، فكان ردّه عليه السلام: إن الوقت لم يحن لوجود معاوية في
حدّ نفسه، ولوجود عقد صلح معه يمنعه عليه السلام من الخروج والثورة.
نعم بعدما استجاب لهم الإمام ــ خصوصاً وإنه لم يخرج من مكة حتى أتته
آلاف الرسائل والمعاهدات منهم، ثم إنه أرسل إليهم مسلم بن عقيل فما رأى منهم إلاّ
الثبات والإصرار، بل أخذ بيعة ثمانية عشر ألفاً منهم خلال أيّام ــ وتجاوز كل
الموانع بينه وبينهم وإذا بهم ينقلبون على الأعقاب، ويتحوّل الكثير منهم إلى جند
للطاغية ابن زياد ــ غير جمع ملأ ابن زياد بهم السجون ورفع البعض منهم على الأعواد
صلباً وتعذيباً ــ ثم ما فتئوا حتى قتلوا الإمام وسبوا عياله وانتهبوا متاعه،
فأصبح باطنهم ظاهراً وبدأ للجميع بشكل واضح السر في عقد الإمام الحسن عليه السلام
للصلح مع معاوية، والوجه في إعراض الإمام الحسين عليه السلام عن إجابة دعوة أهل
الكوفة لأكثر من عشر سنين، بل بدا بوضوح حقيقة حال الأمة مع الإمام الوصي أمير
المؤمنين عليه السلام بعدما بايعوه سراعاً راغبين ثم انقلبوا على أعقابهم بالوزر
مثقلين.
بل إن نتائج حركة الإمام الحسين
عليه السلام حدّدت منهجاً ثابتاً