[67] على أنّ الطبري نقل عن
أبي مخنف قبول مسلم بن عقيل بالأمان، فقال: (فدنا محمّد بن الأشعث فقال: لك
الأمان، فقال: آمِنٌ أنا؟ قال: نعم، وقال القوم: أنت آمن غير عمرو بن عبيد الله بن
العبّاس السلمي، فإنّه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وتنحّى، وقال ابن عقيل:
أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، وأتى ببغلة محمل عليها، واجتمعوا حوله،
وانتزعوا سيفه من عنقه، فكأنّه عند ذلك آيس من نفس، فدمعت عيناه، ثم قال: هذا أوّل
الغدر).
وتبعه على ذلك الكامل لابن الأثير، والإصفهاني في مقاتله،
والمسعودي في مروجه، وغيرهم.
وهي غفلة من قِبل هؤلاء، فإنّ مسلم بن عقيل عليه السلام بعد
أن عَرِفَ غدر أهل الكوفة ممّن بايعوه، فكيف يبقى مجال لأن يطمئنّ مسلم بأعدائه من
الكوفيّين، وهو يعرف فسق محمّد ابن الأشعث وعِداءه قِبل والده الأشعث بن قيس لعمه
أمير المؤمنين عليه السلام، ومواقف السوء التي عُرف بها الأشعث وتبعه على ذلك
أولاده، وما فعلته أختهم جعدة بنت الأشعث زوج الإمام الحسن بن علي عليهما السلام
في دسّ السُّمّ إليه وقتله، فكيف يأمن بعد هذا من محمّد بن الأشعث ومَنْ معه الذين
لا ذمّة لهم ولا إلاّ سوى التقرّب إلى السلطان والجاه على حساب الدين والمبدأ.
على أنّ مسلماً قد وطّنَ نفسه للموت وهو يعلم أنّ مهمّة عبيد
الله بن زياد هي إخماد ثورته بعد تصفيته وليس التمنّي والتفاوض، أو التنازل عن
عزمه في إجهاض حركة مسلم بن عقيل وإيقاف مدّها، ولا يحصل ذلك إلاّ بالقضاء على
مسلم بن عقيل عليه السلام دون أدنى تردّد أو انتظار من ابن زياد.
وعبارة ابن شهر آشوب صريحة في ذلك: فقال ابن الأشعث: لا تقتل
نفسك وأنت في ذمّتي، قال: أوْسر وبي طاقة، لا والله لا يكون ذلك أبداً.. وهذه
صريحة في عدم استسلام مسلم عليه السلام للقوم، والتصديق بأمان الفجرة الغدرة.
نام کتاب : انصار الحسين عليه السلام: الثورة والثوار نویسنده : السيد محمد علي الحلو جلد : 1 صفحه : 156