منها عاقبةً ولا ألذَّ منها مغبةَّ، ولا تصرِمْ أخاك
على ارتيابٍ، ولا تقطعْهُ دونَ استعتابٍ، وألِنْ لمن غالظك فإنه يوشِكُ أن يلينَ
لك، ما أقبحَ القطيعةَ بعدَ الصلةِ، والجفاءَ بعدَ الإخاءِ، والعداوةَ بعدَ المودةِ،
والخيانةَ لمن ائتمنكَ، والغدرَ لمن استأمَنَ إليكَ، وإنْ أنتَ غلبتَ([833]) قطيعةَ
أخيكَ فاستبقِ له من نفسِكِ بقيةً يرجعُ إليها إنْ بدا له ولك يوماً ما، ومن ظن بك
خيراً فصدّق ظنه، ولا تُضَيَّعَنَّ حقَّ أخيكَ اتكالاً على ما بينكَ وبينهُ فإنه
ليس لك بأخ من أضعتَ حقَّهُ، ولا يكُن أهلُك أشقى الناسِ([834]) ولا ترغَبَنَّ
فيمن زَهَدَ فيكَ، ولا يكونَنَّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته([835])، ولا
تكونّنَّ على الإساءةِ أقوى منك على الاحسانِ، ولا على البخلِ أقوى منكَ على البذلِ،
ولا على التقصيرِ أقوى منك على الفضلِ، ولا يكبُرَنّ عليك ظلمُ من ظلمَكَ وإنما
يسعى في مضرته ونفعكِ، وليس جزاءُ من سرَّك أن تسوءَهُ، والرزق رزقانِ رزقٌ تطلبُه
ورزقٌ يطلُبُك فإن لم تأتِه أتاك.
واعلم: يا بُنيّ أنَّ الدهرَ ذو صروفٍ فلا تكُن ممن تشتَدّ لائمته ويقلُّ
عند الناس عذرُه، ما أقبحَ الخضوعُ عند الحاجةِ، والجفاءُ عند الغَناء، إنّما لك
من دنياكَ ما أصلحتَ به مثواكَ فأنفِقْ في حقٍّ ولا تكن خازناً لغيرِك،
[833] في تحف العقول: (غلبتك)، وفي
نهج البلاغة (أردت)، وفي البحار (أرت).
[835] يقول الشيخ علي أكبر غفاري في
تحقيقه لتحف العقول في شرح هذه الفقرة: (أمر بلزوم حفظ الصداقة، يعنى إذا أتى أخوك
بالقطيعة فقابلها أنت بالصلة حتى تغلبه ولا يكونن هو أقدر على ما يوجب القطيعة منك
على ما يوجب الصلة. وهكذا بعده).