سرت إلى القسم الرابع.. وقد كان شيخه رجلا
عالما علامة قدم من بلخ، كان الجميع يطلقون عليه تعظيما لقب مولانا.. وكان اسمه جلال
الدين الرومي([55]).
وقد
عجبت من كثرة من كان في هذا القسم، وعجبت أكثر لما رأيت من نشاطهم الكبير وحماستهم
العظيمة، وقد أخبرني شيخي الرفاعي أن أكثر حضور ذلك المجلس رجال من الدعاة إلى
الله سقطوا في فخاخ العجلة، فراحوا يتسرعون في أحكامهم وفي محاولة قطف ثمار
مجهوداتهم.. وقد جعلهم كل ذلك يقعون في الشباك التي يقع فيها كل عجول، فلا الثمار
قطفوا، ولا قواهم حفظوا.
كان
أول ما سمعته منه عندما دخلت مجلسه هو ترتيله بخشوع لقوله تعالى :﴿ وَيَدْعُ
الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11)﴾
(الإسراء)
ثم
قال بعدها: إن الله تعالى يقرر في هذه الآية صفة من صفات الإنسان، لا يمكن أن يعرف
الإنسان من دون أن تعرف، ولا يمكن أن يسمو من دون أن توجه وتعالج بما وضع الشرع من
بلاسم الشفاء.
قالوا:
لاشك أنك تقصد العجلة؟
قال:
أجل.. فالإنسان – كما تقرر الآية الكريمة- مفطور
عليها.. وذلك بحكم الزمن المحدود الذي يعيشه، والأماكن المحدودة التي يمكن أن يعيش
فيها.. وهو مع هذه المحدودية ذو نفس تواقة لا يملؤها شيء.. فلهذا تجده يستعجل كل
شيء، ويتمنى أن يكون أمامه قبل أن يأتي عليه
[55]
أشير به إلى محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي (604 هـ
- 672 هـ) عرف أيضا باسم مولانا جَلَال الدِّين الرُّومي: شاعر، عالم بفقه الحنفية
والخلاف وأنواع العلوم، ثم متصوف، وهو صاحب المثنوي المشهور بالفارسية، وصاحب
الطريقة المولوية.