قال الجيلاني: سببه قياس من أقيسة إبليس الفاسدة..
ذلك أنهم ينظرون مرة إلى نعم الله تعالى عليهم في الدنيا، فيقيسون عليها نعم
الآخرة.. ومرة ينظرون إلى تأخير عذاب الله عنهم في الدنيا فيقيسون عذاب الآخرة كما
أخبر الله تعالى عنهم، فقال :﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا
يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (8)﴾ (المجادلة).. ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء، فيزدرونهم
ويقولون :﴿ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)﴾ (الأنعام).. ويقولون :﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا
سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ
قَدِيمٌ (11)﴾ (الأحقاف)
وترتيب
القياس الذى نظم فى قلوبهم أنهم يقولون: (قد أحسن الله إلينا بنعم الدنيا.. وكل
محسن فهو محب، وكل محب فهو محسن)
قال
الرجل: أليس الأمر كذلك.. أليس كل محسن محب؟
قال الجيلاني:
لا.. ليس الأمر كذلك.. بل ربما يكون محسناً ولا يكون محباً.. بل ربما يكون الإحسان
سبب هلاكه على الاستدراج.. وذلك محض الغرور بالله.. كما قال الله تعالى :﴿ فَأَمَّا
الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ
رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾ (الفجر)، ثم قال :﴿ كَلَّا..(17)﴾ (الفجر) أي
ليس الأمر كما تزعمون.
وقال
في آية أخرى يكذب أصل قياسهم:﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ
مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ
(56)﴾ (مريم)، وقال :﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ
كَيْدِي مَتِينٌ (45)﴾ (القلم)، وقال :﴿