لقد
كانت لي في ذلك الحلم جراءة لم أعهدها في اليقظة.. ولذلك دخلت القصر من غير أن
أطرق بابه.. فقد كان بابه مفتوحا..
لكني
مع سوء أدبي هذا استقبلني صاحب القصر أحسن استقبال.. بل أتاح لي في ذلك القصر
والجنة المحيطة به من المتاع ما لم أر مثله في حياتي..
بعد
أن مكثت فترة في ذلك الجو الهادئ السعيد.. لم تطمئن نفسي لتلك الحياة التي ليس
فيها إلا اللذة المجردة عن كل تكليف وكل مغامرة..
لذلك
طلبت من صاحب القصر.. ذلك الرجل الكريم.. الذي أغدق علي من كرمه ما لم أر مثله في
حياتي، أن يكلفني بأي وظيفة.. لقد قلت له، وأنا ممتلئ حماسة وقوة: لم لا تكلفني..
أنت تراني ممتلئ بالقوى العجيبة.. أنا أفكر.. وأحلل.. وأشعر.. وأتخيل.. وأطير في
الأجواء التي لا يستطيع جسدي أن يطير إليها.
وقلت
له: أنا أشق الشعرة بذكائي.. وأحول من تلك التربة التي كنت فيها جنات وقصورا لا
تقل عن هذا القصر الذي أسكنتني فيه..
وقلت
له: نعم أنا معك الآن.. وقريب منك.. ولكني أشعر أني مع هذا القرب بعيد.. بل أشعر
أنك لا تريد إلا أن تهجرني عندما تشغلني بهذا النعيم عن الجلوس إليك ومنادمتك.
نظر
إلي صاحب القصر بعين حانية ممتلئة بالشفقة، وقال: لقد جاء قبلك من طلب مني ما تطلب..
لكنه ما إن وضع قدمه على مقام التكليف حتى امتلأ عقله وقلبه وكل قواه