انظروا.. ألا ترون كيف اتحد جميع هؤلاء الأنبياء في وصف
أنفسهم بالأمانة، ثم رتبوا عليها دعوة أقوامهم إلى تقوى الله وطاعته؟
قال إقبال: نعم.. وفي ذلك إشارة بليغة إلى أنه لا يمكن أن
يتقبل الناس أي فكرة إلا إذا رأو علامات الأمانة متمثلة فيمن يدعو إليها.
قال القمي: لقد ذكرتموني بيوسف u، فيوسف u كان قد أعد الله له وظيفة خطيرة ترتبط
بها مصالح العباد، لينقذهم من المجاعة التي تتربص بهم.
وبما أنه كان في السجن، وخشي أن يكون الملك قد سرت إليه شبهة
من خبر النسوة، فراح يطلب التحقيق فيها حتى لا تكون تلك الشبهة سببا بعد ذلك لرفع
الحرمة عنه.
ولما علم الملك خبر النسوة، قال:﴿ ائْتُونِي بِهِ
أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا
مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ (يوسف: 54)
قال مطهري: إن هذه الآية تحمل توجيها عظيما لهذه الأمة.. فلن
تستخلصها الأمم لنفسها، ولن تكون لها مكانة عندها إلا إذا تحققت بالأمانة في أرقى
درجاتها.
قال الشعراوي: لقد أخبر (ص) عن رفع الأمانة عن الأمة إبان انحطاطها،
وهو يدل على أنه لا يمكن للأمة أن تستعيد مجدها إلا باستعادة الأمانة التي ارتفعت
عنها([586]):
لقد ورد في الحديث عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله (ص) حديثين، قد رأينا أحدهما وأنا انتظر
الاخر، حدثنا أن الامانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من
القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة، قال: (ينام الرجل النومة، فتقبض
الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه
فيظل أثرها مثل المجل كجمر،
[586] نبهنا في مواضع كثيرة إلى أن أحاديث الفتن وأشراط الساعة ونحوها
لا تحمل فقط صفة النبوءة الغيبية، وإنما تحمل أيضا ـ وأهم من ذلك ـ طابع التشريع،
لمن حصلت لهم تلك الفتن. (انظر: رسالة (معجزات حسية)، فصل (نبوءات) من هذه
السلسلة)