وفي رواية عن سليمان بن يسار أن رسول الله كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر،
فيخرص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حليا من حلي نسائهم، فقالوا له: هذا لك
ـ يعني رشوة ـ وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: (يا معشر
اليهود! والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم،
فأما ما عرضتم عليّ من الرشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها)، فقالوا: بهذا قامت
السماوات والأرض([525]).
انظروا.. كيف استطاع ابن رواحة بموقفه الأمين العادل من
استلال هذه الشهادة العظيمة من أولئك اليهود القساة الذين قلما يشهدون بحق؟
قال الشعراوي: ولهذا أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم بأن
نقوم بالعدالة المطلقة العامة التي لا تستثني أحدا ولا جهة ولا موضوعا.. قال تعالى:﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ
يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا
الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا﴾ (النساء:135)
انظروا.. كيف تلح علينا هذه الآية الكريمة في الأمر بالعدل..
مهما كان الذين نعدل معهم.. فلا ينبغي أن يميل بنا الهوى إلى أي جهة من الجهات.
وفي الآية الأخرى يقول الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة:8)
إن هذه الآية الكريمة تنهانا أن نلاحظ أنفسنا وأهواءنا ونحن
نتخذ أي موقف.. فالمؤمن هو الذي سلم أمره لله، وعقله لله، وقلبه لله، فهو يتعامل
مع عباد الله كما أمر الله.. والله هو الحكم العدل الذي لا تضيع عنده الحقوق..