في ذلك الصباح، نهضت فرحا مسرورا بعد أن سمعت تلك الأحاديث
الجميلة عن نبينا ،
ومن يمثله من الورثة الذين لم يرتضوا لذواتهم قالبا غير القالب الذي اختاره الله
لرسوله (ص)..
ولكن الألم عاد يعتصرني من جديد..
لقد قلت لنفسي: كم يمكن أن يكون في هذه الرقعة الكبيرة
المباركة التي يستوطنها المسلمون من أولئك النماذج الراقية من ورثة النبي (ص)؟.. كم يمكن أن يكون هناك من جعفر وباقر
وزين العابدين وأويس وبشر والنورسي والبغدادي والصالحي والسيد سليمان([1])؟.. كم يمكن أن يكون من أعداد هؤلاء، أو
من يقاربهم، ولو بأن يكتفي بالسير على خطاهم؟
وبعد أن قلبت بصري وبصيرتي في الواقع وجدت أن أعداد أمثال
هؤلاء لا تكاد تذكر.. فهم كالإكسير الأحمر قل من يظفر بهم.. وقل من يمكن أن يستفيد
منهم.. وهم في حال وجودهم قد يغرقون في وديان النسيان، أو قد يتيهون في صحارى
الإهمال واللامبالاة.. وبالتالي يصبح وجودهم في الناس كعدمهم.
ثم عدت ببصري وبصيرتي إلى ورثة الشياطين.. فوجدتهم يملأون
الأرض سهلها وجبلها، وبرها وبحرها.. صياحا ونعيقا ولغوا:
وجدتهم يدخلون كل بيت عبر شاشات التلفزيون، والمذياع،
والأشرطة المسموعة والمرئية، وعبر وسائل الإعلام الكثيرة التي تفنن أهل عصرنا في اختراعها،
كما تفننوا في استغلالها.
ووجدتهم يستعملون كل الحيل، ويلتمسون كل السبل ليصلوا إلى
قلوب الذين يستهلكون تلك الوسائل وعقولهم.. بل حتى أجسادهم.. فكم رأيت من شباب يضع
السماعات على أذنه ليرقص معها بالحركات التي توحيها له الموسيقى التي أبدع ورثة
الشياطين في التلاعب بها؟
ووجدتهم لا يكتفون بكل ذلك مما يخص العامة البسطاء.. بل
رأيتهم ببصري وبصيرتي يدخلون الجامعات ومراكز العلم والثقافة ليملأوها بما شاءت
لهم أهواؤهم من أطروحات تلبس لباس العلم، لتجعله ذريعة لجهل مركب يستحيل محوه، ولو
صبت عليه جميع بحار الدنيا.
[1] هؤلاء هم أبطال
الرواية السابقة [النبي الإنسان]، والذين يمثلون دور ورثة النبي (ص).