كان رسول
الله يقول إذا أمسى هذا
الدعاء، ويقوله كذلك إذا أصبح([64]).
قلت: فما سره؟
قال: إن أعظم ما يملأ
الإنسان طغيانا شعوره بأنه يملك ويحكم ويتصرف في ملك الله كما تملي عليه نفسه
وأهواؤه.. وأعظم ما يملأ الإنسان عبودية لله وتواضعا بين يديه شعوره بأن الله هو
الملك وهو المالك وهو الحاكم وهو المدبر لكل شيء..
إن هذه المشاعر الرقيقة هي
التي تجعله مطمئنا متواضعا ممتلئا أدبا.. وهذا الذكر يذكر المؤمن صباح مساء بهذه
المعارف الجليلة.. ليبني منها سلوكا صالحا، ويبني منها بعد ذلك اتصالا بالله مالك
كل شيء والمتصرف في كل شيء، ليأخذ منه ما يريد من غير أن يتذلل لغيره، أو يسكن
لغيره.
قلت: إن محمدا في هذا
الذكر يستعيذ من الكسل.
قال: لأن الإرادة هي مفتاح
السلوك إلى الله.. والإرادة مفتاحها المجاهدة.. وليس هناك شيء يقف بين العبد
والسلوك إلى ربه كالكسل.. كما أنه ليس هناك من يقف بين الإنسان وجميع مصالحه مثل
الكسل.
ولهذا وصف الله المنافقين
به، فقال:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ
خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ
النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلا﴾ (النساء:142)
أخذ الجمع يردد بصوت واحد (اللهم
بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير)، فسألت جعفر عنه، فقال:
هذا الذكر وما تضمنه من دعاء سنة من سنن رسول الله (ص).. فقد
كان رسول الله (ص) يقوله إذا أصبح، وإذا
أمسى، ويعلمه لأصحابه([65]).
قلت: فما سر هذا الذكر؟
قال: ألا ترى المعاني
الجليلة التي يتضمنها هذا الذكر.. إنه يقول لذاكره: أنت لست أنت الذي يقوم وحده..
بل أنت عبد القيوم الذي قام كل شيء بقيوميته..
وهو بذلك يمللؤه سعادة
وأمنا.. كما يملؤه تواضعا وأدبا.. بل إن كل خلال الخير
[64] مع تبديل الصيغة بقوله: (: أصبحنا وأصبح الملك لله) رواه مسلم.
[65] فعن أبي هريرة: أن النبي r كان يعلم أصحابه يقول: إذا أصبح
أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور،
وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير)
رواه أبو داود وابن ماجه.